للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأردشير بهمن بن اسفندريار بن يشتاسب" متوجهًا من اليمن في الطريق الذي سلكه "الرائش" قبله، خرج على جبلي طيء، ثم سار يريد الأنبار، فلما انتهى إلى موضع الحيرة ليلًا، تحير، فأقام مكانه، وسمي ذلك الموضع الحيرة. ثم سار وخلف به قومًا من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة، فبنوا وأقاموا به. ثم انتقل إليهم بعد ذلك ناس من طيء وكلب والسكون وبلحارث بن كعب وإياد، ثم توجه إلى الأنبار١.

وروى الطبري رواية أخرى تشبه هذه الرواية، ولكنها رواية مختصرة لم تذكر اسم تبع، وقد أخذ الطبري روايته هذه عن شيخه عبد الله بن أحمد المروزي٢.

هذه هي أقوال الأخباريين في كيفية مجيء العرب إلى العراق وفي سكانهم الحيرة والأنبار وما بين المكانين من أرضين. وهي أقوال فيها شيء من الحق، ولكن فيها شيء كثير من الخطأ والضلال. فنحن لا نريد أن ننكر هجرة القبائل العربية من الجزيرة إلى العراق، فهذا أمر ليس على نكرانه من سبيل، ولكننا لا نستطيع أن نوافقهم على أقوالهم في مبدأ تلك الهجرة وفي تواريخها، وفي كيفيتها فتلك أمور لا يعرفها الأخباريون. كما أننا لا نستطيع أن نوافقهم في زعمهم على من قاد تلك الهجرة والهجرات التي تلتها من رجال، فنحن نعلم حق العلم أن من تحدثوا عنهم وجعلوهم في الدهر الداهر وفي العرب العاربة أو في أيام ملوك الطوائف هم في الأكثر أناس عاشوا بعد الميلاد، وبينهم رجال لا تبعد أيامهم كثيرًا عن الإسلام، وبينهم أناس اخترعتهم مخيلة الأخباريين.

وتأريخ الحيرة مع سعته وكثرة ما يرويه الأخباريون منه، لا يخلو من اضطراب ومن تناقض يدفعنا أحيانًا إلى العجب من قول "ابن "الكلبي" مثلًا: "إني كنت أستخرج أخبار العرب وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من عمل منهم لآل كسرى وتأريخ سنيهم من بيع الحيرة، وفيها ملكهم وأمورهم كلها"٣. وهو كما نعرف سند الأخباريين ومرجعهم الأول في تأريخ الحيرة. فرجل يدعي هذه الدعوى ويستقي أخباره من مواردها الأصلية. لا يجوز صدور روايات منه يناقض بعضها بعضًا، وأخبار لا تؤيد هذا الزعم. فللرجل روايات عن حادث


١ الطبري "٢/ ٣".
٢ الطبري "٢/ ٣".
٣ الطبري "٢/ ٣٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>