للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد تثبت، إن صح أنها له، أن الرجل لم يكن صاحب رأي ولا اجتهاد فيما يرويه، وأنه يروي كل ما يقال له دون نقد أو تمحيص. فهو يروي خبرًا عن حادث في شكل، ثم يرويه في شكل آخر يختلف عما رواه كل الاختلاف أو بعض الاختلاف، ثم هو يزيد وينقص في أسماء الملوك وفي مدد حكمهم، ويذكر إجمالًا، ثم يناقض ما قاله تفصيلًا. غير أن علينا –ونحن أحياء نكتب عن شخص مضى على وفاته أكثر من ألف عام- أن نكون حذرين في القول. فنحن لا نستند في حكمنا هذا إلى مؤلف كامل الرواية لذلك الرجل، إنما نستند إلى كتب اقتطعت من مؤلفات ابن الكلبي وروت عنها. فما يدرينا لعل الخطأ في هذه الكتب، والاضطراب فيها، أو أن أصل الاضطراب في الموارد التي نقل ابن الكلبي منها. فما رواه ابن الكلبي إذن هو حكاية لما وجده هو أو أخذه من أفواه الرواة، فلا لوم عليه في هذا الشأن ولا تثريب. ولسنا في هذا المكان قضاة نحاول توجيه اللوم لأحد، أو نسحب اللوم من أحد، فهذا ليس من شأننا في هذا الموضع ولا من اختصاصنا، إنما نريد أن نشير إلى هذا التناقض العجيب الغريب الذي نراه فيما وصل إلينا من روايات تتعلق بحادث واحد، والذي نراه بين تواريخ الأخباريين عن ملوك الحيرة مثلًا، فما ذكره "الطبري" من أسماء ملوك لخم ومدد حكمهم، يختلف بعض الاختلاف عما ورد في تأريخ "حمزة" مثلًا أو في "مروج الذهب" للمسعودي، أو في المؤلفات الأخرى التي سترد أسماؤها في ثنايا البحث، مع أنها تشير أحيانًا إلى المورد الذي استقت منه، كابن الكلبي مثلًا. وهذا هو الذي يحملنا على العجب من وقوع هذا الاختلاف.

فهل نقل هؤلاء من كتاب واحد من كتب "ابن الكلبي" مثلًا، أو أنهم نقلوا من مؤلفات متعددة لابن الكلبي، فحدث من أجل ذلك هذا الاختلاف على أنه، مع افتراض هذه الحالة، لا يحوز وقوع مثل هذا الاختلاف، إذ لا يعقل أن يكتب مؤلف واحد فاهم للمادة هاضم لها، له نقد وتفكير تأريخي، خبرًا في كتاب يختلف اختلافًا بينًا عما كتبه في كتاب له آخر، إلا أن يكون قد عثر على موارد جديدة وروايات حصل عليها بعد تأليف الكتب السابقة. ومهما يكن من شيء فإن أمر مناقضة الأخباريين أنفسهم في رواية الأخبار، وفي عدم تنسيقها، من الأمور التي لا ينفرد بها أخباري واحد، وتجد في تأريخ الطبري أمثلة من هذا القبيل حيث يناقض خبره في موضع خبره المروي في موضع آخر

<<  <  ج: ص:  >  >>