للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون أن يشير إليه أو يشير إلى وقوعه من الأخباريين. وقد فطن "ابن الأثير" إلى ذلك فأشار إلى أنه ناقل، وذاكر ما وجده وما قاله مختلف الأخباريين ليقف عليه القارئ. ثم لم يغفل، فذكر ما هو مرجح لديه، أو ما هو مرجح لدى أكثرية الأخباريين.

ومن مواضع الاختلاف بين الأخباريين، اختلافهم في تسلسل من حكم "الحيرة" من ملوك، وفي مدد حكمهم. ومن عادتهم ذكر مدة حكم الملك إجمالًا، كأن يقولوا: "حكم مدة كذا من السنين"، ثم يذكرون ذلك تفصيلًا محسوبًا بالنسبة إلى مدة حكم من عاصر ذلك الملك من ملوك الفرس، كأن يقولوا: "منها كذا في حكم الملك الفلاني، وكذا في حكم الملك الفلاني"، وهكذا إن كان الملك قد أدرك جملة ملوك من ملوك الفرس، وأنت إذا فحصت ما ذكروه إجمالًا، ثم ما ذكروه تفصيلًا وجمعته بعضه مع بعض تجد اختلافًا بين حاصل الجمع والعدد المذكور إجمالًا في بعض الأحايين. وقد أوجد اختلاف الأخباريين في تسلسل الملوك وفي مدد الحكم صعوبات جمة للباحثين في هذا التأريخ في تثبيت تواريخ الملوك، وفي تعيين أيامهم على وجه مضبوط ما برحت قائمة في هذا المدون عن تأريخ آل لخم وتأريخ آل غسان.

وقد درج بعض المؤرخين مثل الطبري وأبي حنيفة الدينوري وابن الأثير على إدماج تأريخ الحيرة في تأريخ الفرس في الجملة، فهم وأمثالهم يذكرون في كلامهم على ملك من ملوك الساسانيين صلات ذلك الملك بعرب الحيرة، ويشيرون إلى ملكها الذي كان يحكم في أيامه، وإلى عدد من عاصر من ملوك الفرس، ولذلك تجزأ تأريخ الحيرة وتناثر في صفحات فصول هؤلاء المؤرخين عن تأريخ الساسانيين.

ودرح فريق آخر كاليعقوبي وحمزة والمسعودي على تدوين تأريخ الحيرة في باب مستقل بني على حسب تسلسل حكم الملوك كما استقر ذلك في ذهن الكاتب، مع ذكر بعض الأمور المتعلقة بالملك من سني حكم، أو من معاصرة لملوك الساسانيين أو من بناء أو ما شابه ذلك. وتجد في مؤلفات هؤلاء الأخباريين أمورًا لم يتطرق إليها أصاحب الطريقة الأخرى في بعض الأحيان. وتفيدنا مؤلفات هؤلاء من هذه الناحية في زيادة علمنا بتأريخ الحيرة المستقى من المورد الأول.

ويؤسفنا جدًّا أن لا نملك حتى الآن دراسة علمية دقيقة للتأريخ وللمؤرخين الإسلاميين وللموارد التأريخية وكيفية أخذ بعضها من بعض، وهي دراسة لا بد

<<  <  ج: ص:  >  >>