للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية الطبري عن ملك المنذر مبالغة على ما يظهر، فليس في الأخبار التي يرويها الأخباريون عن هذا الوقت رواية واحدة يفهم منها أن نفوذ الفرس قد شمل هذه الأرضين الواسعة الممتدة من الحجاز إلى ساحل الخليج، وليس فيها خبر واحد يفهم منه أن ملك المنذر قد شمل الطائف وسائر الحجاز. ولو كان ملكه قد بلغ هذه البلاد لوعت ذلك ذاكرة أهل الأخبار شيئًا عنه، إذ أنه لم يكن بعيد عهد عن الإسلام.

ولم تنقطع المناوشات بين الحارث والمنذر، بالرغم من الهدنة التي اتفق الفرس والروم على عقدها لمدة خمس سنوات وذلك في سنة "٥٤٥م"١. فبعد مدة قصيرة من التوقيع عليها، عادت نيران الحرب فاستعرت بين الحارث والمنذر من غير أن يتدخل الفرس أو الروم في هذا النزاع، وقد تمكن المنذر من بماغتة أحد أبناء الحارث: وكان يكلئ خيله في البادية، فأسره، وقدمه على ما يقوله بروكوبيوس ضحية إلى العزى٢ "Aphrodite". وبعد أن جمع كل واحد منهما كل ما يملك من قوة ومن حديد، اشتبكا في حرب جديدة انتصر فيها الحارث انتصارًا كبيرًا، وقتل عددًا كبيرًا من جنود خصمه. فلما رأى ما حل به، فر هو ومن بقي حيًّا من أتباعه، تاركًا اثنين من أبنائه في جملة من وقع في الأسر٣.

وقد تكون غارة قيس بن سلمة بن الحارث الكندي على الحيرة غارة انتقامية من المنذر لما أنزله بآل كندة من خسائر. ويظهر أن قيسًا قد باغت المنذر وفاجأه بغارة خاطفة اضطرته إلى الهزيمة والالتجاء إلى الخورنق مع ابنيه عمرو وقابوس. وبعد مضي عام على هذه الهزيمة، انتقم المنذر لنفسه بغارة أغارها على كندة كلفت الكنديين اثني عشر أميرًا من بني حجر بن عمرو وقعوا في أسره في مكان يسمى ذات الشقوق، ثم أمر بعد ذلك بضرب أعناقهم في الجفر، وهو الموضع الذي أطلق عليه لهذه الحادثة جفر الأملاك، وهو موضع "دير بني مرينا" الذي أشير إليه في الشعر المنسوب لامرئ القيس٤.

ويذكر أهل الأخبار أن الشاعر "امرأ القيس الكندي" كان في جملة من


١ Procopius, II, ٢٨, ٩-١١.
٢ Procopius, II, ٢٨, ١٢-١٤.
٣ Procopius, II, ٢٨, ١٣-١٤.
٤ شعراء النصرانية "ص٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>