للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما "اليعقوبي" فذكر أن "امرأ القيس" حين بلغه مقتل أبيه جمع جمعًا وقصد "بني أسد"، فلما كان في الليلة التي أراد أن يغير عليهم في صبيحتها، نزل بجمعه ذلك، فذعر القطا، فطار عن مجاثمه فمر ببني أسد، فقالت بنت "علباء بن الحارث" أحد "بني ثعلبة"، وكان القائم بأمر بني أسد: ما رأيت كالليلة قطًا أكثر. فقال علباء: "لو ترك القطا لغفا ونام" فأرسلها مثلًا. وعرف أن جيشًا قد قرب منه، فارتحل، وأصبح امرؤ القيس فأوقع بكنانة، فأصاب فيهم، وجعل يقول: يا لثأرات حجر! فقالوا: والله ما نحن إلا كنانة. فتركهم وهو يقول:

أَلا يا لَهفَ نَفْسِي إِثرَ قَومٍ ... هُمُ كانوا الشِفاءَ فَلَم يُصابواهم

وَقاهُم جِدُّهُم بِبَني أَبيهِم ... وَبِالأَشقينَ ما كانَ العِقابُ

وَأَفلَتَهُنَّ عِلباءٌ جَريضاً ... وَلَو أَدرَكنَهُ صَفِرَ الوِطابُ١

ولم يشر اليعقوبي إلى محاولة "امرئ القيس" تعقيب "بني أسد" وامتناع من كان معه عن الذهاب معه كما رأينا ذلك في الرواية السابقة بل قال: ومضى امرؤ القيس إلى اليمن لما لم يكن به قوة على بني أسد ومن معهم من قيس، فأقام زمانًا، وكان يدمن مع ندامي له، فأشرف يومًا، فإذا براكب مقبل، فسأله: من أين أقبلت؟ قال: من نجد، فسقاه مما كان يشرب، فلما أخذت منه الخمرة، رفع عقيرته وقال:

سَقَينا اِمرَأَ القَيسِ بنَ حُجرِ بنِ حارِثٍ ... كُئوسَ الشَجا حَتّى تَعَوَّدَ بِالقَهرِ

وَأَلهاهُ شُربٌ ناعِمٌ وَقُراقِرٌ ... وَأَعياهُ ثَأرٌ كانَ يَطلُبُ في حُجرِ

وَذاكَ لَعَمري كانَ أَسهَلَ مَشرَعاً ... عَلَيهِ مِنَ البيضِ الصَوارِمِ وَالسُمرِ

ففزع امرؤ القيس لذلك ثم قال: يا أخا أهل الحجاز، من قائل هذا الشعر؟

قال: عبيد بن الأبرص. قال: صدقت. ثم ركب واستنجد قومه، فأمدوه بخمسمائة من مذحج، فخرج إلى أرض "معد"، فأوقع بقبائل معد، وقتل الأشقر بن عمرو، وهو سيد بني أسد وشرب في قحف رأسه، وقال امرؤ القيس في شعر له:


١ اليعقوبي "١/ ١٧٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>