للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأنصار، أي أهل يثرب، وهم من الأوس والخزرج، هم من الدوحة التي أخرجت الغساسنة، وقد ظهر تأريخهم من يثرب بعد حادث سيل العرم في نحو ما رأيت.

وافتخار أهل يثرب بآل جفنة يزيد كثيرًا على افتخارهم بآل لخم، مع أنهم على حد قولهم من أصل واحد، وقد افترقوا جميعًا في وقت واحد، وهم في درجة واحدة من القرابة، ونجد لحسان بن ثابت شعرًا في الغساسنة، هو أضعاف ما قاله في المناذرة. ويظهر أن لقرب الغساسنة من يثرب، وللمصالح الاقتصادية وللهبات والعطايا التي كان ينالها حسان وأمثاله من الغساسنة بيسر وسهولة، لقربهم منهم، أثر كبير في هذا المدح والتعصب لغسان على آل لخم.

وأما عن نعت عامر بماء السماء. فقال حمزة: "إنه إنما سمي ماء السماء لأنه أصابت الأزد مخمصة، فمانهم حتى مطروا، فقالوا: عامر لنا بدل ماء السماء"١.

وقد عرف أشخاص آخرون بـ"ماء السماء" من غير غسان، منهم "المنذر بن امرئ القيس اللخمي" و"ماء السماء بن عروة" من ملوك "الحيرة" على زعم "ابن الكلبي"٢. وقد نعت "حسان بن ثابت" الغساسنة الذين جاءوا من بعده بـ"أولاد ماء المزن". و"المزن = المطر". يريد بذلك "أولاد ماء السماء"، أي: "بني ماء السماء"، وماء السماء هو المطر، وذلك كناية عن الجود والكرم والإغاثة. والمطر هو غوث للناس ورحمة والجود هو غوث لمن يجاد عليه، فهو بمنزلة المطر للأرضين. فقصد الشاعر بذلك أن "آل غسان". للناس بمنزلة المطر للأرض. وقد يكون جد الغساسنة قد عرف بكرمه وسخائه، فنعت بهذا النعت الدال على السخاء والجود. ولا أستبعد أن تكون هذه النعوت من النعوت التي أطلقها الشعراء على المذكورين، فلازمتهم حتى اليوم٣.

ونسب آل غسان إلى جد آخر، يعرف بـ"ثعلبة". وقد أشير إلى "عرب الروم من آل ثعلبة"٤. وقد ذكر "محمد بن حبيب"، أن رئيس غسان


١ حمزة "ص٧٧" "مانهم، أي احتمل مؤنتهم، أي قوتهم حتى يأتيهم الخصب"، البرقوقي "ص٢٨٧".
٢ المحبر "ص٣٦٥".
٣
كخفنة والقمقام عمرو بن عامر ... وأولاد ماء المزن وابني محرق
البرقوقي "ص٢٨٧".
٤ غسان "ص٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>