للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذُكر أن "جبلة بن الأيهم" لما سمع، وهو ببلاد الروم، أن حسانًا قد صار مضرور البصر كبير السن، أرسل إليه خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج، فلما سلمها الرسول الذي حمل الهدية إليه، نظم شعرًا في مدحه أوله:

إِنَّ اِبنَ جَفنَةَ مِن بَقِيَّةِ مَعشَرٍ ... لَم يَغذُهُم آباؤُهُم بِاللَؤمِ

لَم يَنسَني بِالشامِ إِذ هُوَ رَبُّها ... كَلّا وَلا مُتَنَصِّرًا بِالرومِ

وأخذ يراجع ذكريات تلك الأيام الخالية التي قضاها معه ومع بقية آل غسان١.

وقد اتفقت روايات أهل الأخبار في موضوع دخول جبلة في الإسلام، ثم في ارتداده، إلا رواية واحدة ذهبت إلى أنه لم يسلم. وقد ذهب أكثرهم في سبب ردته إلى أن أعرابيًّا من فزارة وطئ فضل إزار جبلة وهو يسحبه في الأرض بمكة، فلطمه جبلة، فنابذه الأعرابي إلى عمر، فحكم عمر له بالقصاص، فعد جبلة القصاص إهانة له وهو ملك، ففر إلى بلاد الروم وارتد بها، وبقي بها مرتدًا حتى وافته منيته٢. ولكن رواية "ابن قتيبة"، تختلف عن رواية أكثر أهل الأخبار في موضوع المكان الذي كان السبب في ارتداده عن الإسلام، إذ جعلته مدينة "دمشق"، قالت: "وكان سبب تنصره أنه مر في سوق دمشق، فأوطأ رجلًا فرسه، فوثب الرجل فلطمه، فأخذه الغسانيون فأدخلوه على أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم سيدنا. فقال أبو عبيدة بن الجراح: البينة أن هذا لطمك. قال: وما تصنع بالبينة؟ قال: إن كان لطمك لطمته بلطمتك. قال: ولا يقتل؟ قال: لا. قال: ولا تقطع يده. قال: لا. إنما أمر الله بالقصاص، فهي لطمة بلطمة. فخرج جبلة ولحق بأرض الروم وتنصر"٣.

ونجد خبر "ابن قتيبة" المذكور مدونًا في كتاب "الطبقات" لابن سعد، حيث جاء: "وكتب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأهدى له هدية ولم يزل مسلمًا حتى كان في زمان عمر بن الخطاب،


١ البرقوقي "ص٣٩١ وما بعدها".
٢ مروج "٢/ ٣١ وما بعدها" "طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد" ابن خلدون "٢/ ٥٨٦"، تاريخ الخميس "٢/ ٦١"، الأغاني "١٤/ ٢ وما بعدها".
٣ المعارف "ص٢٨١".

<<  <  ج: ص:  >  >>