للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينما هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلًا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبيلة، قال: فليلطمه، قالوا: وما يقتل؟ قال: لا، قالوا: فما تقطع يده؟ قال: إنما أمر الله، تبارك وتعالى بالقود. قال جبلة: أو ترون أني جاعل وجهي ندًّا لوجه جدي جاء من عمق! بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانيًّا! وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر، فشق عليه، وقال لحسان بن ثابت: أبا الوليد، أما علمت أن صديقك جبلة بن الأيهم ارتد نصرانيًّا؟ قال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها"١.

وذكر بعض أهل السير والأخبار، أن الرسول كتب إلى جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان، كتابًا دعاه فيه إلى الإسلام. فلما وصل الكتاب أسلم، وكتب إلى الرسول يعلمه بإسلامه٢. وذُكر أن "شجاع بن وهب" إنما بعثه رسول الله إلى جبلة، فأسلم٣، وأرسل إلى رسول الله هدية. وكان ينزل بالجولان٤.

وتزعم بعض الروايات أنه زار المدينة في خلافة "عمر". وقد عد يوم مجيئها إليه من الأيام المشهورة؛ إذ جاء إليها في موكب حافل كبير فيه خيول كثيرة لم تر المدينة مثلها من قبل، وخرج الناس إلى الطرق لرؤية موكبه، وفرح عمر بمجيئه. وعد ذلك توفيقًا من الله للإسلام. وأكرمه غاية الإكرام. وبعد أن قابل الخليفة، استأذن منه بالذهاب إلى الحج، فوقع له عندئذ حادث الإزار مع الأعرابي، ففر إلى بلاد الروم، ويقال: إنه توفي بالقسطنطينية سنة عشرين من الهجرة٥. وذكر أنه لما قدم المدينة كان في خمسمائة فارس من عك وجفنة.

فلما دنا من المدينة ألبسهم ثياب الوشي المنسوخ بالذهب والفضة، وليس تاجه وفيه قرط مارية وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد إلا خرج ينظر إليه٦.

وقد ذكر "البلاذري" أن "جبلة بن الأيهم" حكم بعد "الحارث بن أبي شمر". وروي أنه لما قدم "عمر" الشأم سنة "١٧" للهجرة، حدث أن لطم


١ طبقات "١/ ٢٦٥".
٢ تأريخ الخميس "٢/ ٦١".
٣ ابن خلدون "٢/ ٢٨١".
٤ تأريخ الإسلام، للذهبي "٢/ ٢١٤"، "نسخة دار الكتب المصرية".
٥ ابن خلدون "٢/ ٢٨١".
٦ العقد الفريد "١/ ١٨٧ وما بعدها" "القاهرة ١٩٣٥م ".

<<  <  ج: ص:  >  >>