للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلث النساء وأبناءهم وأن يتبع هذا النظام الثلاثي في العقوبة. ولم يذكروا الموارد التي أخذوا منها خبرهم على طريقتهم في أخذ الأخبار من غير تمحيص.

وزعم "ابن الكلبي" أن السفن لما قدمت على النجاشي من عند قيصر، حمل جيشه فيها، فخرجوا في ساحل المندب. فلما سمع بهم ذو نواس، كتب إلى المقاول يدعوهم إلى مظاهرته، وأن يكون أمرهم في محاربة الحبشة ودفعهم عن بلادهم واحدًا. فأبوا، وقالوا: يقاتل كل رجل عن مقولته وناحيته. فلما رأى ذلك، صنع مفاتيح كثيرة، ثم حملها على عدة من الإبل، وخرج حتى لقي جمعهم فقال: هذه مفاتيح خزائن اليمن قد جئتكم بها. فلما وجه الحبشة ثقات أصحابهم في قبض الخزائن، كتب "ذو نواس" إلى كل ناحية أن اذبحوا كل من يريد إليكم منهم. ففعلوا. فلما بلغ النجاشي ما كان من ذي نواس، جهز سبعين ألفًا، عليهم قائدان: أحدهما أبرهة. فلما صار الحبشة إلى صنعاء ورأى ذو نواس أن لا طاقة له بهم، ركب فرسه واعترض البحر فاقتحمه، فكان آخر العهد به١.

هذا مجمل ما ورد في كتب المؤرخين الإسلاميين والأخباريين عن ذي نواس.

وقد أخذ بعضه مما علق في أذهان أهل اليمن عن ذلك الحادث، وأخذ بعض آخر مما علق بأذهان أهل الكتاب عنه، ويعود الفضل في تدوينه وجمعه إلى القرآن الكريم؛ إذ أشار بإيجاز إليه: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} ٢. فكانت إشارته هذه إلى أصحاب الأخدود حافزًا دفع بالمفسرين وأصحاب التأريخ والأخبار على جمع ما علق بالأذهان من هذا الحادث، فجاء على الصورة المذكورة٣.

ولم يرد إلينا شيء من هذا القصص الذي رواه الأخباريون عن ذي نواس مكتوبًا في المسند. وكل ما ورد مما له علاقة بحادث دخول الحبشة اليمن، هو ما جاء في النص المهم المعروف بنص حصن غراب والموسوم بـrep - epigr. ٢٦٣٣ من أن الأحباش فتحوا أرض حمير وقتلوا ملكها وأقياله الحميريين والأرحبيين.


١ الطبري "٢/ ١٢٧" "دار المعارف بمصر"، المحبر "ص٣٦٨".
٢ سورة البروج: رقم ٨٥، الآية ٤ وما بعدها.
٣ Loth, Tabarl's Korancommentar, Die "Leute der Grbe" in ZDMG, ١٨٨١, S. ٦١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>