والأشعريين، فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم فتيمنت خثعم عن طريقهم. فلما دنا من الطائف خرج إليه ناس من بني خثعم ونصر وثقيف، فقالوا: ما حاجتك إلى طائفنا، وإنها هي قرية صغيرة؟ ولكنا ندلك على بيت بمكة يعبد فيه، ثم له ملك العرب، فعليك به، ودعنا منك، فأتاه حتى إذا بلغ المغمس، وجد إبلًا لعبد المطلب مائة ناقة مقلدة، فأنهبها بين أصحابه. فلما بلغ ذلك عبد المطلب جاءه، وكان له صديق من أهل اليمن يقال له: ذو عمرو، فسأله أن يرد عليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئت أدخلتك على الملك، فقال عبد المطلب: افعل. فأدخله عليه، فقال له: إن لي إليك حاجة. قال قضيت كل حاجة تطلبها، ثم قص عليه قصة إبله التي انتهبها جيشه. فالتفت إلى ذي عمرو، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبًا، فقال: لو سألني كل شيء أحوزه، أعطيته إياه، ثم أمر بإرجاع إبله عليه. وأمر بالرحيل نحو مكة لهدمها. وتوجه ألف شهر وأصحاب الفيل، وقد أجمعوا ما أجمعوا نحو مكة، فلما بلغوها، خرجت عليهم طير من البحر لها خراطيم كأنها البلس، فرمتهم بحجارة مدحرجة كالبنادق، فشدختهم، ونزل الهلاك بهم فانصرف شهر هاربًا وحده، ولكنه ما كاد يسير، حتى تساقطت أعضاء جسده فهلك في طريقه إلى اليمن وهم ينظرون إليه١.
ويتفق خبر "السيوطي" هذا في جوهره وفي شكله مع الروايات الأخرى التي وصلت إلينا عن حملة "أبرهة" ولا يختلف عنها إلا في أمرين: في السبب الذي من أجله قرر أبرهة هدم الكعبة، وفي الشخص الذي سار على مكة. أما السبب الذي أورده السيوطي، فهو غير معقول، لسبب بسيط واضح، هو أن ابن أبرهة، وهو أكسوم بن الصباح الحميري، هو رجل نصراني، والنصارى لا تحج إلى مكة؛ لأنها محجة الوثنيين، وقد عزم جده أبرهة على صرف العرب من الحج إليها، فكيف يحج إليها ابن ابنته، وهو على دين جده؟ وأما ما زعمه من أن "شهر بن معقود""مقصود" هو الذي سار على مكة لهدمها، وذلك بأمر من أبرهة، فإنه يخالف إجماع أهل الأخبار والمفسرين من أن أبرهة هو نفسه
١ السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور "٦/ ٣٩٤"، الأصبهاني، دلائل النبوة "١٠٠ وما بعدها"، الكشاف "٣/ ٢٨٨".