للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاد تلك الحملة، وأنه هو الذي أخذ الفيل أو الفيلة معه، وسار على رأس جيش كبير من الحبش ومن قبائل من أهل اليمن كانت تخضع له. ثم إن السيوطي يشير إلى وجود "الملك" في الجيش، ولم يكن شهر بن معقود ملكًا ولم يلقبه أهل الأخبار بلقب "ملك"، وإنما أنعموا بهذا اللقب على أبرهة وحده. أضف إلى ذلك أن ما ذكره السيوطي من حوار وقع بين عبد المطلب وبين الملك هو حوار يذكر أهل الأخبار أنه جرى بين عبد المطلب وبين أبرهة. لذلك أرى أن الأمر قد التبس على السيوطي، فخلط بين أبرهة وبين شهر أحد قادته من العرب، وأنه قصد بالملك أبرهة لا القائد، وإن لم يشر إليه، بل جعل الفعل كل الفعل للقائد المذكور.

وأورد "القرطبي" رواية أخرى نسبها إلى مقاتل بن سليمان وابن الكلبي، خلاصتها: أن سبب الفيل هو ما روي أن فتية من قريش خرجوا تجارًا إلى أرض النجاشي، فنزلوا على ساحل البحر إلى بيعة للنصارى، تسميها النصارى: الهيكل، فأوقدوا نارًا لطعامهم، وتركوها وارتحلوا، فهبت ريح عاصفة على النار فأضرمت البيعة نارًا واحترقت، فأتى الصريخ إلى النجاشي، فأخبره، فاستشاط غضبًا، فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شرحبيل وأبو يكسوم الكنديون وضمنوا له إحراق الكعبة. وكان النجاشي هو الملك، وأبرهة صاحب الجيش، وأبو يكسوم نديم الملك، وقيل وزيره، وحجر بن شرحبيل من قواده. فساروا معهم الفيل، وقيل ثمانية فيلة، ونزلوا بذي المجاز، واستاقوا سرح مكة١.

وتتفق هذه الرواية مع الروايات السابقة من حيث الجوهر، ولا تختلف عنها إلا في جعل الكنيسة المحترقة بيعة في أرض النجاشي، أي في ساحل الحبش، لا في أرض اليمن، وإلا في جعل الآمر بالحملة النجاشي، لا أبرهة نفسه، أما المنفذون لها، فهم أبرهة ومن معه.

وهناك سبب آخر سأتعرض له فيما بعد، يذكره أهل الأخبار في جملة الأسباب التي زعموا أنها حملت أبرهة على السير نحو مكة لتهديمها. وهو سبب أرجحه وأقدمه على السببين المذكورين، لما فيه من مساس بالسياسة؛ ولأنه مشروع سياسي خطير من المشروعات العالمية القديمة التي وضعها ساسة العالم للسيطرة على


١ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن "٢٠/ ١٨٧، ١٩٢ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>