للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي إقراض المال للمحتاج إليه، كما تمكنت من تنظيم أمورها الداخلية ومن تحسين شئون المدينة، واتخاذ بيوت مناسبة لائقة لأن تكون بيوت أغنياء زاروا العالم الخارجي, ورأوا ما في بيوت أغنيائه من ترف وبذخ وخدم وإسراف.

وقد ذكر "الثعالبي" أن قريشًا صاروا "أدهى العرب، وأعقل البرية, وأحسن الناس بيانًا" لاختلاطهم بغيرهم ولاتصالهم بكثير من القبائل, فأخذوا عن كل قوم شيئًا، ثم إنهم كانوا تجارًا "والتجار هم أصحاب التربيح والتكسب والتدفيق والتدقيق", وكانوا متشددين في دينهم حمسًا، "فتركوا الغزو كراهة السبي واستحلال الأموال" إلى غير ذلك من أمور جلبت لهم الشهرة والمكانة١. وقد أُشيد أيضا بصحة أجسامهم وبجمالهم حتى ضرب المثل بجمالهم فقيل: "جمال قريش"٢.

وقصى رئيس قريش، هو الذي ثبت الملك في عقبه, ونظم شئون المدينة وقسم الوظائف والواجبات على أولاده حين شعر بدنو أجله. فلما أشرق الإسلام, كانت أمور مكة في يد قريش، ولها وحدها الهيمنة على هذه المدينة، حتى عرف سكانها بـ"آل قصي", فكان أحدهم إذا استغاث أو استنجد بأحد صاح: "يا لقصي"، كناية عن أنهم "آل قصي", جامع قريش٣.

وهو أول رئيس من رؤساء مكة يمكن أن نقول: إن حديثنا عنه, هو حديث عن شخص عاش حقا وعمل عملا في هذه المدينة التي صارت قبلة الملايين من البشر فيما بعد. فهو إذن من الممهدين العاملين المكونين لهذه القبلة، وهو أول رجل نتكلم عن بعض أعماله ونحن واثقون مما نكتبه عنه ونقوله. وهو أول شخص نقض البيوت المتنقلة التي لم تكن تقي أصحابها شيئًا من برد ولا حر، والتي كانت على أطراف الوادي وبين أشجار الحرم، وكأنها تريد حراسة البيت، وحوَّلها من خيام مهلهلة إلى بيوت مستقرة ثابتة ذات أعمدة من خشب شجر الحرم, وذات سقوف.


١ الثعالبي, ثمار القلوب "١١ وما بعدها".
٢ الثعالبي، ثمار القلوب "٢٩".
٣
يا لقصي لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنَّفَر
الأحكام السلطانية "ص٧٨ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>