بعض منهم قبل قليل. وقد عاشوا عيشة أعرابية، خارج مكة على ما يظهر من الروايات, وذلك بدليل قول قريش للحليس:"اجلس، فإنما أنت رجل أعرابي، لا علم لك"١, أي: إنهم كانوا أعرابا ويعيشون عيشة أعرابية. ويظهر من هذه الأخبار أيضا أن "الحليس""سيد الأحابيش"، كان من "بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة"، وأن "ابن الدغنة" كان من "بني سليم". ولم ينص أهل الأخبار فيما إذا كانا عربيين صريحين أو أنهما كانا من "بني الحارث" ومن "بني سليم" بالولاء، فنسبهما إلى القبيلتين، هو نسب ولاء.
ويظهر من خبر "الحديبية" ومن قول النبي لما رأى "الحليس" قادمًا إليه: "إن هذا من قوم يتألهون" , أن الأحابيش لم يكونوا على دين مكة أي: من عباد الأصنام, بل كانوا مؤلهة، يدينون بوجود إله. وقد يشير الرسول بذلك إلى أنهم كانوا نصارى، أخذوا نصرانيتهم من الحبش؛ ولذلك كانوا من المؤلهة بالنسبة لقريش. وأنا لا أستبعد أيضا أن تكون تلك التسمية قد غلبت على هؤلاء؛ لأنهم كانوا من الساحل الإفريقي المقابل لجزيرة العرب. جاءوا إليها بالفتوح وبالنخاسة، وأقاموا في تهامة إلى مكة، وعاشوا عيشة أعرابية متبدية، وتحالفوا مع القبائل العربية المذكورة، وتخلقوا بأخلاق عربية حتى صاروا أعرابًا في كل شيء. وقد لازمتهم التسمية التي تشير إلى أصلهم، وإنما تحالفوا مع "بني الحارث" وبقية المذكورين، عرف حلفهم بـ"حلف الأحابيش"، ثم عرف المتحالفون بـ"الأحابيش". وقد نسي الأصل وهو الأحابيش, أي: اسم الحبش الذين تحالفوا مع "بني الحارث" و"عضل" و"الديش" و"المصطلق" و"الحيا"؛ لسبب لا نعرفه, قد يكون بسبب كونهم عبيدًا سودًا، وأطلق الحلف على المذكورين. غير أن روايات أهل الأخبار تشير إلى كثير من الأحابيش في مثل قولها:"وخرجت قريش بأحابيشها" إلى أن الأحابيش المذكورين كانوا في حكم قريش, أي: جماعة من الحبش من أهل إفريقيا, كانت كما ذكرت تكوّن وحدة قائمة بذاتها، ولكنها تدين بولائها لقريش، ولها حلف مع بعض كنانة ومع قبائل أخرى. ولما كان عام الفتح أمرتها قريش بالتعاون مع "بني بكر" و"بني الحارث بن عبد مناة"؛ للدفاع عن مكة من جهة الجنوب, فامتثلت لأمر قريش، وأخذت مواضعها هنالك، حتى زلزلها "خالد بن الوليد".