للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالناس من عَرَفَة, فتجيزهم إذا نفروا من "مِنى", تولت ذلك من عهد جرهم وخزاعة. فلما كان قصي, أتاهم مع قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة، فقالوا: نحن أولى بهذا منكم، فناكروه فناكرهم، فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا، ثم انهزمت صوفة، وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك، وحال بينهم وبينه، فانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي بن كلاب، وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة، فوقع من ثَمَّ ما وقع على نحو ما مر١.

غير أن الرواة يذكرون في مكان آخر أن قصيا أقر للعرب في شأن حجهم ما كانوا عليه، وذلك أنه كان يراه دينًا في نفسه، لا ينبغي له تغييره، وكانت صوفة على ما كانت عليه، حتى انقرضت, فصار ذلك من أمرهم إلى "آل صفوان بن الحارث بن شجنة" وراثةً٢. فهذه الرواية تنافي ما ذكرته آنفًا من قولهم بقتال قصي لهم, وغلبته عليهم. وبقي أمر "عدوان" والنسأة، ومرة بن عوف على ما كانوا عليه، حتى جاء الإسلام، فهدم به ذلك كله٣.

ويذكر الإخباريون أن قصيًّا بعد أن تمت له الغلبة، جمع قومه من الشعاب والأودية والجبال إلى مكة، فسُمِّي لذلك مجمّعًا، وأنه حكم منذ ذلك الحين فيهم، وملك عليهم، فكان قصي أول ولد كعب بن لؤي أصاب ملكًا، وأطاعه قومه به، وأنه قسم مكة أرباعا بين قومه، فبنوا المساكن، وأن قريشًا هابت قطع شجر الحرم في منازلهم، فقطعها قصي بيده, وأعانوه, وأنها تيمنت به, فكانت لا تعقد أمرًا، ولا تفعل فعلًا إلا في داره، فما تنكح امرأة ولا رجل من قريش إلا في دار قصي، وما يتشاورون في أمر ينزل بهم إلا في داره، ولا يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إلا في داره، يعقدها لهم بعض ولده، وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إلا في داره، يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه، ثم ينطلق بها إلى أهلها، فكان أمره في قومه من قريش في حياته وبعد موته كالدين المتبع، لا يعمل بغيره تيمنًا بأمره ومعرفة


١ الطبري "٢/ ٢٥٧ وما بعدها", ابن سعد, الطبقات "١/ ٦٨".
٢ الطبري "٢/ ٢٥٩".
٣ نهاية الأرب "١٦/ ٢٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>