للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلاد الشام يريد مكة، إذ أحس بالخطر، فغير طريقه وسلك طريق الساحل, وأفلت مع قافلته ورجالها، وعدتهم سبعون، ووصل إلى مكة سالمًا، فنشبت على أثر ذلك معركة بدر١.

وكانت قيادة قريش في الحرب إلى أبي سفيان أيضًا، ورثها من أبيه٢. ورجل له فضل قيادة عير قريش، وقيادة مكة في الحرب، لا بد أن يكون في مقدمة سادات مكة وعلى رأس طبقتها المحافظة ذات العنجهية، التي ترى أن لها حق الرئاسة والزعامة والكلمة والرأي.

وليس لأحد مكانة إلا إذا كان ذا مال وجاه وحَسَب، وعلى الباقين طاعة السادة، ومراعاة سنن الآباء والأجداد، والإخلاص لعبادة الآباء والأجداد، والدفاع عن آلهة الكعبة التي كانت السبب في إعطاء قريش منزلة خاصة عند العرب.

وكان -فضلًا عن هذا وذاك- رجلًا صاحب لسان، ينظم الشعر ويجيد الهجاء, ويحسن النزول إلى أسوأ مستوًى يصل إليه السوقي والحوشة من الإقذاع في الكلام وإلحاق الأذى بالناس. وقد أظهر قابلياته في ذلك في عناده ضد الإسلام, وفي إيذائه الرسول وفي إلحاقه الأذى بالمسلمين, وقد هيأ كل ما عنده من مواهب وكفايات وقدرات مالية لمقاومة الإسلام ولمحاربة الرسول وللقضاء على الدعوة التي جاءت مقوضة لديانة الآباء والأجداد من عبادة الأصنام، ومن المحافظة على العرف، ومن تحطيم الزعامة، والخضوع لحكم الفقراء والرقيق. وفي القرآن الكريم آيات نزلت في حقه، وقد كان من المحرضين العاملين في معركة أحد٣. ويذكر أنه ذهب إلى الشام واتصل بـ"هرقل" وأخذ يحرضه على الرسول, ولكن الروم لم يبالوا بتحريضه, فعاد إلى مكة٤.


١ الطبري "٢/ ١٣١".
٢ أخبار مكة "١/ ٦٦".
٣ البداية "٤/ ٩"، "المطبعة السلفية"، اليعقوبي "٢/ ٣٥"، الطبري "٢/ ١٥٧" "الاستقامة" الطبرسي، مجمع "سورة آل عمران، الآية ١٧٢".
٤ الأغاني "٦/ ٣٢٩"، "بيروت ١٩٥٦م", تهذيب ابن عساكر "٧٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>