للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأريخ المدينة مثل سائر تواريخ هذه الأماكن التي نتحدث عنها، مجهول لا نعرف من أمره شيئًا يذكر، وإنما ما يذكره الإخباريون عن وجود العماليق وجرهم بها١ فأمر وإن قالوه، لا يستند إلى دليل، وحكمه حكم الأخبار الأخرى التي يروونها والتي عرفنا نوع أكثرها وطبيعته, ولكن الشيء الذي نعرفه يقينًا أن أهل المدينة كانوا ينتسبون عند ظهور الإسلام إلى يمن، وكانوا يقسمون أنفسهم فرقتين: الأوس والخزرج، وبين الفرقتين صلة قربى على كل حال. ثم يذكرون أنه كان بينهم يهود، وهم على زعمهم من قدماء سكان يثرب.

ويلاحظ أن الأوس والخزرج لا يدعون أنفسهم بأبناء حارثة، وإنما يدعون أنفسهم بـ"بني قيلة" وبـ"ابني قيلة", ويقصدون بها "قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة"، أو "قيلة بنت هالك بن عُذْرة" من قضاعة، أو "قيلة بنت كامل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إلحاف بن قضاعة"٢. ولا بد أن يكون لهذه الامرأة التي ينتسبون إليها شهرة في الجاهلية حملتهم على الانتساب إليها. وقد ورد أن "قيلة" اسم أم الأوس والخزرج, وهي قديمة٣.

وقد ذكر بعض أهل الأخبار أن الأوس والخزرج ابني قيلة لم يؤدوا إتاوة قط في الجاهلية إلى أحد من الملوك، وكتب إليهم تبع يدعوهم إلى طاعته، فغزاهم تبع أبو كرب، فكانوا يقاتلونه نهارًا ويخرجون إليه العشاء ليلًا، فلما طال مكوثه ورأى كرمهم رحل عنهم٤.

ويرجع الإخباريون مجيء الأوس والخزرج إلى المدينة إلى حادث سيل العرم، ويقولون: إنهم لما جاءوا إلى يثرب وجدوا اليهود وقد تمكنوا منها، فنزلوا في ضنك وشدة، ودخلوا في حكم ملوك يهود إلى أيام ملكهم المسمى "الفيطوان"


١ البلدان "٧/ ٤٢٧ وما بعدها", ابن خلدون "٢/ ٢٨٦ وما بعدها".
٢ البلدان "٧/ ٤٢٨"، الكامل "١/ ٢٧٥", ابن حزم، جمهرة "١/ ٢٣٢"، ابن خلدون، المجلد الثاني، القسم الأول "٥٩٦"، "منشورات دار الكتاب اللبناني ١٩٥٦م, بيروت".
٣ اللسان "١١/ ٥٨٠"، "صادر" "قيل".
٤ العقد الفريد "١/ ١٩٢ وما بعدها"، الأصمعي، ملوك العرب الأولية "٨٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>