للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ضرب به المثل في الجود والسخاء، فقيل "أجود من حاتم"، ورووا عنه قصصًا كثيرًا في الجود والسخاء، يرينا أن الجود فيه سجية، نبت فيه مُذْ كان صغيرًا، فقد روي أنه اختلف مع والده، وهو صغير، لأنه فرق إبله وغنمه وكان يرعى بها على قوم مرّوا به، فيهم: عَبِيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، فطرده أبوه، وقال له: إذن لا أساكنك بعدها أبدًا ولا آويك، فقال حاتم: إذا لا أبالي١.

ويذكر: أنه كان إذا أهل شهر رجب نحر في كل يوم عشرة من الإبل، وأطعم الناس، وأنه كان يقول لغلامه يسار، إذا اشتد البرد وكلب الشتاء: أوقد نارًا في يفاع من الأرض: لينظر إليها من أضل الطريق ليلًا فيقصد نحوه٢. وكان يوقد نار القرى، ليقصدها من يريد الضيافة من الناس. وذكروا أنه كانت لحاتم قدور عظام بفنائه لا تنزل عن الأثافي، إلى غير ذلك من أخبار في كرمه وسخائه٣.

وذكر عنه أنه قسم ماله بضع عشرة مرّة؛ وأنه مرّ في سفر له على بني عنزة ولهم أسير في القدّ، فاستغاث به، ولم يحضره فكاكه، ففاداه وخلّاه، وأقام مقامه في القدّ حتى أُدي فداؤه. ورووا أنه ذبح فرسه، ووزع لحمها على جيرانه، لأن امرأة كانت جارة له جاءت إليه مستغيثة به، تقول له: أتيتك من صبية يتعاوون من الجوع ولم يكن لديه ما يعطيها، فذبح فرسه، مع أنه وعائلته كانوا جياعًا مثل صبيتها، فلما مانعت زوجته في ذبح فرسه، قال لها: إن هذا للُؤم أن تأكلوا وأهل الحي جياع٤.

وينسب أهل الأخبار إليه شعرًا، في جملته قصيدة تتعلق بالكرم وبمكارم الأخلاق وبالحكم٥، وقد جمعوا من شعره ديوانًا، وذكروا أنه من الشعر


١ بلوغ الأرب: "١/ ٧٢ وما بعدها".
٢ بلوغ الأرب "١/ ٧٣، ٧٧ وما بعدها"، العقد الفريد "١/ ٣٣٢".
٣ ثمرات الأوراق للحموي "حاشية على المستطرف"، "١/ ١٢٧"، الشعر والشعراء "١٢٣ وما بعدها".
٤ الثعالبي، ثمار القلوب "٩٧ وما بعدها".
٥ بلوغ الأرب "١/ ٧٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>