للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال لهما "غديرتان". وكل عقيصة غديرة: قال امرؤ القيس:

غدائره مستشزرات إلى العلى ... تضل العقاصي في مثنى ومرسل١

ولما قدم "صمام بن ثعلبة" من "بني سعد على الرسول، كان رجلا جلدًا أشعر ذا غديرتين. فلما ولى قال رسول الله: إن صدق ذو العقيصتين٢. ويقال لهما "القرنان" كذلك. والعرب تسمي الخصلة من الشعر القرن. والقرن الذؤابة عامة. ومنه: الروم ذات القرون، لطول ذوائبهم٣.

وهم مثل غيرهم من الناس يعتبرون الشعر الأشيب إكليل مجد الشيخ، والشعر الأبيض رمزًا للحكمة والجلالة٤. وذلك بسبب أن تقدم العمر بالإنسان يكسبه خبرة وحكمة، لما يراه في حياته من تجارب وعظات. لذلك أقاموا للسن وزنًا كبيرًا في أخذ الرأي وفي التقدم في الدخول وفي الجلوس في المجالس.

ولم يكن شيوخ الجاهلية وشيبها أقل عناية بمظهرهم وبمرآهم من شيوخ هذا اليوم وشيبه، فحاولوا ما قدروا إخفاء شيبهم وإطفاء لعب الزمان بشعرهم وبأوجههم بمختلف الوسائل والسبل، ومنها إخفاء الشيب بصبغه وباستعمال الخضاب، وبعضه أسود، كما خضبوا بالعِظْلم وبالحنّاء٥. وصبغوا لحاهم. ولم يهملوا العيون، فاكتحلوا لتظهر براقة مؤثرة. ولا تزال "الوسمة"، وهي خضاب أسود معروف، ويستعملها بعض الناس اليوم.

وذكر بعض علماء اللغة أن الخضاب، إخفاء الشيب بالحناء، وإذا كان بغير الحناء قيل: صبغ شعره، ولا يقال خضبه. وذكر آخر أن أول من خضب بالسواد من العرب "عبد المطلب"٦. وقد تعلمه من أهل اليمن. إذْ كان قد زارهم فوجد شيبهم يخضبون شعورهم بالسواد، فأعطوه خضابًا، فجاء إلى مكة، وعنه شاع الخضاب بين أهلها.


١ تاج العروس "٣/ ٤٤١"، "غدر".
٢ الطبري "٣/ ١٢٤ وما بعدها"، "قدوم ضمام بن ثعلبة وافد عن بني سعد".
٣ تاج العروس "٩/ ٣٠٧"، "قرن".
٤ دانيال، الإصحاح السابع، الآية ٩، قاموس الكتاب المقدس "١/ ٦١٩".
٥ المعرب "ص١٦"، تاج العروس "١/ ٢٣٦"، "خضب".
٦ تاج العروس "٢/ ٣٦٦"، "الكويت"، "خضب".

<<  <  ج: ص:  >  >>