للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يجتمع فتيان من مواضع شتى للشرب، فيقال لهم "الأندرون" يتنادرون فيما بينهم شذ وخرج من الجمهور. وذكر أن قول عمرو بن كلثوم:

ألا هبي بصحنك فاصبحينا ... ولا تبقي خمور الأندرينا

هو في هذا المعنى١.

وقد تاجر اليهود بالخمر، وفتحوا لهم الخمارات في الأماكن التي أقاموا بها من جزيرة العرب، فقصدها الناس للشرب. ومن جملتهم الشاعر الأعشى الذي كان كلفًا بشرب الخمر حريصًا على تعاطيها، قيل إنه عزم على الدخول في الإسلام وأراد الذهاب إلى الرسول لينشده ويعلن أمامه دخوله في الإسلام، ونظم شعرًا في مدحه، فأدرك "أبو سفيان" ما في شعر "الأعشى" في مدح الرسول والإسلام من أثر في تصرفه وفي إضعاف قريش، فلقيه وحادثه وكلمه وجاءه من ناحية نقطة الضعف التي كانت فيه. وهي حبه للخمرة. فهيج أشجانه فيها، وأظهر له كيف أن الإسلام حرمها على المسلمين، وجعل في شربها الحد، فهو سيُحرم من متعته الوحيدة التي بقيت له في حياته أن دخل في الإسلام. وأثار فيه الحنين إليها، ورغبه في الذهاب إلى قومه والمكوث هناك سنة يشربها، ثم رأى رأيه بعد ذلك، فإما أن يستمر على شربها، وإما أن يعافها ويدخل في الإسلام، على أن يأخذ مقابل ذلك مائة من الإبل. فأثر كلام "أبو سفيان" فيه، وأخذ الإبل وذهب بها إلى قومه٨ وأقام ب "منفوحة" حتى مات بها قبل الحول٢.

وذكر "بلينيوس" أن العرب كانوا يصنعون الخمر من النخيل، وذلك كما يفعل سكان الهند٣. ويقصد بذلك التمور بالطبع. وقد ذكر ذلك من باب التنويه بالأمور الغريبة. فليس استخراج الخمر من التمور مألوفًا عند اليونان والرومان.


١ تاج العروس "٣/ ٥٦٠"، "ندر".
٢ جمهرة أشعار العرب "٥٦"، الشعر والشعراء "١٣٥"، الأغاني "٨/ ٧٧"، "١٠/ ١٤٣"، "١٥/ ٥٢"، "١٦/ ١٦٠"، المحبر "٣٢١".
٣ مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد الثالث، الجزء الأول، "ص١٣٩"، "١٩٥٤م"، "بلاد العرب: من تأريخ بلينيوس".

<<  <  ج: ص:  >  >>