للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا الملك النعمان يوم لقيته بغبطته، يعطي القطوطَ ويأفق١

ولسادات القبائل أنديتهم أيضًا، يقصدها أشراف القبيلة والناس. وكانوا إذا اجتمعوا تداولوا أمور قبيلتهم وما وقع بين القبائل ونظروا في أيامهم الماضية وقد يتناشدون الأشعار ويتفاخرون٢. ويذكر علماء اللغة أن "النادي المجلس يندون إليه من حواليه ولا يسمى ناديًا حتى يكون فيه أهله. وإذا تفرقوا لم يكن ناديًا. وفي التنزيل العزيز: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَر} . قيل: كانوا يحذفون الناس في المجالس، فأعلم الله تعالى أن هذا من المنكر وأنه لا ينبغي أن يتعاشروا عليه ولا يجتمعوا على الهزء والتلهي وأن لا يجتمعوا إلا فيما قرب من الله وباعد من سخطه"٣. وقد كان ملأ مكة إذا اجتمعوا في نواديهم تذاكروا أمور ساداتها فغض قوم من قوم، وسخر بعض من بعض وروى بعض عن بعض قصصًا للغض من شأنهم، شأن المجتمعات الفارغة التي لا لهو فيها يلهي ولا عمل فيها يشغل. فكان هذا شأنهم حتى نزل التنديد بفعلهم في القرآن. كما نزل يندد في أمور أخرى كانت من هذا القبيل، مثل "المشمعة"، العبث والاستهزاء والضحك بالناس والتفكه بهم.

وفي الحديث: "من تتَبَّعَ المَشْمَعَةَ يُشَمِّعُ اللهُ به". أراد من كان شأنه العبث والاستهزاء والضحك بالناس والتفكه بهم جازاه الله جزاء ذلك. وقال الجوهري: أي من عبث بالناس أصاره الله إلى حالة يعبث به فيها"٤.

وقد لجأ العرب إلى اتخاذ وسائل للتخفيف من شدة وطأة الحرّ عليهم. إذْ أن الجو حار في بلاد العرب بالصيف. وفي جملة ما استخدموه: "المراوح".

ورد أن الناس كانوا يستعملونها للترويح عن أنفسهم٥. وللريح أهمية كبيرة في جزيرة العرب وفي البلاد الحارة. إذ أن وقوفه يزعج الناس ويؤذيهم، فلا غرابة إذا ما اعتبروا الرياح رحمة تغيث الناس وتفرج عن كربهم. وتغَنّوا بها وسروّا بهبوبها سرورًا كبيرًا. بهبوب الرياح المنعشة المرطبة التي تحمل المزن لهم. فتصيب الأرض وترويها بما تحمله معها من مزن. ولريح الصبا، ذكريات طيبة عند العرب.


١ اللسان "٧/ ٣٨٢"، "صادر"، "قطط".
٢ الأغاني "٢/ ٥٢".
٣ تاج العروس "١٠/ ٣٦٣"، "ندا".
٤ تاج العروس "٥/ ٤٠٣"، "شمع".
٥ تاج العروس "٢/ ١٥٢"، "روح".

<<  <  ج: ص:  >  >>