للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلباسهم "سرابيل"، معتملة، كذلك فعل ملوك العرب وسراتهم ولا سيما عرب العراق وبلاد الشام، بخدمهم، وقد قرطوا آذانهم بالنطف -أي: الأقراط- أحيانًا مبالغة في تزيينهم، حتى يعطي جو المآدب والضيافة لونًا شعريًّا خاصًّا.

فإذا قدم شيئًا، وضع المنديل أو الديباجة على كتفه، ووضع تحت صحن الطعام شيئًا، ثم يقدمه إلى الضيوف١.

ويختلف الحضريّ عن الأعرابي في طريقة أكله. فإذا تناول الحضري لقمة صغرها وأكلها بأطراف الأسنان، وحاول جهده ألّا يملأ فمه بلقمة كبيرة، فيبدو الفم منتفخًا منها. وهذا ما يخالف مألوف الأعرابي. "قدم أعرابي على ابن عم له بمكة، فقال له: إن هذه بلاد مقضم وليست ببلاد مخضم". والخضم أكل بجميع الفم. والقضم دون ذلك٢. وقيل: الخضم: ملء بالمأكول٣.

ويعد أكل "اللحوم" من أطايب الحياة، ومن المفاخر التي يتباهى بها الناس على غيرهم، إذ لم يكن في ميسور كل إنسان الحصول على اللحم، ولا سيما "اللحم السمين". وإذا أضيفت إليها الخمور والطيب، والنساء، تمت بذلك مباهج الحياة. وقد عبر عن "الخمور واللحم والطيب"، بالأحامرة الثلاثة.

وكانت هذه تستنزف المال، لما ينفق الإنسان في الحصول عليها من ماله. قال الأعشى:

إن الأحامرة الثلاثة أهلكت ... مالي وكنت بها قديمًا مولعًا

وقال:

الخمر واللحم السمين وأطلي ... بالزعفران فلن أزال مولعا٤

وكان من تنصر من العرب يأكلون لحم الخنزير، يأكلونه أشد الأكل، ويرغبون في لحمه أشد الرغبة٥. وذكر أن غيرهم كانوا يأكلونه أيضًا. وزعم


١
وذا نطف يسعى ملصق خده ... بديباجة تكفافها قد تقددا
البرقوقي "ص١٤٦".
٢ تاج العروس "٩/ ٢٩"، "قضم".
٣ تاج العروس "٨/ ٢٧٩"، "خضم".
٤ اللسان "٤/ ٢٠٨ وما بعدها".
٥ الحيوان "٤/ ٤١ وما بعدها"، "هارون".

<<  <  ج: ص:  >  >>