للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخالطين غنيّهم بفقيرهم ... والمنعمين على الفقير المرمل١

وفي مثل قول الأعشى:

وأهان صالح ماله لفقيرها ... وآسى وأصلح بينها وسعى لها٢

وقول الشاعر عمرو بن الأطنابة:

والخالطين حليفهم بصريحهم ... والباذلين عطاءهم للسائل٣

وأرى أنّ في ورود لفظة "الخالطين" في هذه الأبيات، بمعنى خلط المال، وتخصيص الأغنياء نصيبًا من أموالهم للفقراء، دلالة على أن من الجاهليين الأغنياء من كان قد وضع في ماله حقوقًا للمحتاجين، بحيث صاروا كالمخالطين لهم في مالهم، وفي منزلة الشركاء لهم في المال. من دون إرغام لهم ولا إكراه، أو طمع في ثواب دنيوي أو في عالم ما بعد الموت. وذلك غاية الجود والكرم.

وفي شعر للنعمان بن عجلان الأنصاري، إشادة بعمل قومه الأنصار، إذ قَسَّموا أموالهم وديارهم بينهم وبين المهاجرين. فيقول:

وقلنا لقولم هاجروا مرحبًا لكم ... وأهلًا وسهلًا قد أمنتم من الفقر

نقاسمكم أموالنا وديارنا ... كقسمة أيسار الجزور على الشطر٤

ويذكرنا شعره هذا الذي افتخر فيه بقومه الأنصار بالمؤاخاة، إذ آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار. بعد مقدمه بخمسة أشهر، وقيل: ثمانية أشهر.

فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء الإسلام إرثًا مقدمًا على القرابة. ثم نسخ التوارث بالمؤاخاة بعد بدر٥. والمؤاخاة هي "المخالطة" الجاهلية في صورة أخرى.

وقد كان بين الجاهليين من حبس الحبوس، لتكون وقفًا على الفقراء والمحتاجين.


١ الخالديان، الأشباه والنظائر "١/ ٢٠"، ديوان حسان "٣٠٨".
٢ ديوان الأعشى "٣/ ٣٥".
٣ الحماسة، لابن الشجري "٥٦".
٤ الإصابة "٨٧٤٨"، "٣/ ٥٣٢"، "القاهرة ١٩٣٩م"، الاستيعاب "٢٩٨"، Journal of the Economic and social History of the orient, vol. VIII, part II, ١٩٦٥ P. ١٢٥
٥ إمتاع الأسماع "١/ ٤٩ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>