للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للسبب المذكور، فدعوى من الدعاوى المألوفة عن أهل الأخبار، وقصة من القصص الذي كانوا يضعونه أحيانًا حين يقفون عند أمر غريب عليهم، ليس لهم علم به، فكانوا يوجدون قصصًا في تفسيره وتعليله، وقفنا على كثير منه.

والظاهر أن وأد "قيس" لبنات من بناته، ووجوده في تميم خاصة بعد أن خف عند بقية العرب، حمل أصحاب الأخبار على إرجاع أصله وأساسه إلى "قيس"، مع أنهم يذكرون حوادث عن الوأد، مثل ما ذكروه عن "سودة بنت زهرة" الكاهنة، تتقدم في الزمن على "قيس". والوأد عند العرب أقدم منه، وربما يعود إلى ما قبل الميلاد. وفي القرآن الكريم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .١ وفي هذه الآية وصف للحالة النفسية التي كانت تعتور الأب عند إخباره بميلاد بنت له، وشرح لبعض الأسباب التي كانت تحمل الآباء على وأد البنات. ويروى أن بعض الجاهليين يتوارى في حالة الطلق، فإن أُخبر بذكر ابتهج أو بأنثى حزن، وبقي متواريًا أيامًا يدبر ما يصنع أيتركه ويربيه على ذل، أم يدسه في التراب، بأن يئده ويدفنه حيًّا حتى يموت، أم يهلكه بأمر آخر، بأن يلقيه من شاهق. روي أن رجلًا قال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت. وقد كانت لي في الجاهلي بنت وأمرت امرأتي أن تزينها وأخرجتَها فلما انتهيت إلى وادٍ بعيد القعر ألقيتها، فقالت: يا أب قتلتني! فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء. فقال الرسول: "ما في الجاهلية فقد هدمه الإسلام، وما في الإسلام يهدمه الاستغفار ". وكان بعضهم يغرقها وبعضهم يذبحها٢.

وقد ذكر العلماء في تفسيرهم: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ، قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} ٣. أن الله "أخبر بخسرانهم لوأدهم البنات وتحريمهم البحيرة وغيرها بعقولهم، فقتلوا أولادهم سفهًا


١ النحل، الآية: ٥٨، تفسير الطبري "١٤/ ٨٣ وما بعدها".
٢ بلوغ الأرب "٢/ ٥١ وما بعدها".
٣ الأنعام، الآية ١٣٩وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>