للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خوف الإملاق، وحجروا على أنفسهم في أموالهم ولم يخشوا الإملاق، فأبان ذلك عن تناقض رأيهم"١.

قال "القرطبي": "إنه كان من العرب من يقتل ولده خشية الإملاق، كما ذكر الله -عز وجل- في غير هذا الموضع. وكان منهم من يقتله سفهًا بغير حجة منهم في قتلهم، وهم ربيعة ومضر، كانوا يقتلون بناتهم لأجل الحمية. ومنهم من يقول: الملائكة بنات الله، فألحقوا البنات بالبنات. وروي أن رجلًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان لا يزال مغتمًّا بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "مالك تكون محزونًا؟ " فقال: يا رسول الله، إني أذنبت ذنبًا في الجاهلية فأخاف ألا يغفره الله لي وإن أسلمت. فقال له: "أخبرني عن ذنبك": فقال: يا رسول الله، إني كنت من الذين يقتلون بناتهم، فولدت لي بنت فتشفعت إليّ امرأتي أن أتركها فتركتها حتى كبرت وأدركت، وصارت من أجمل النساء فخطبوها، فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت بغير زواج، فقلت للمرأة: إني أريد أن أذهب إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي، فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي، وأخذت علي المواثيق بألا أخونها، فذهبت إلى رأس بئر فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد أن ألقيها في البئر فالتزمتني، وجعلت تبكي، وتقول: يا أبت، أيش تريد أن تفعل بي؟ فرحمتها، ثم نظرت في البئر فدخلت علي الحمية، ثم التزمتني وجعلت تقول: يا أبت، لا تضيع أمانة أمي! فجعلت مرة انظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها حتى غلبني الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة، وهي تنادي في البئر: يا أبت، قتلتني. فمكثت هناك حتى انقطع صوتها فرجعت. فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وقال: "لو أمرت أن أعاقب أحدًا بما فعل في الجاهلية لعاقبتك" ٢.

فالفاقة والحمية واعتقاد بعض منهم أن الملائكة بنات الله، فيجب إلحاق البنات بالبنات، هي عوامل دفعت بالعرب إلى الوأد. فهي بين عامل اقتصادي نص عليه في القرآن الكريم، وعامل اجتماعي، هو الحمية، وخشية لحوق العار بالإنسان


١ القرطبي، الجامع "٧/ ٩٦"، تفسير الخازن "٣/ ١٦٣، ٣٥٦".
٢ القرطبي، الجامع "٧/ ٩٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>