للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من السبي والغارات وعامل ديني، يرجع إلى رأي في دين. لقد تعرض "قتادة" إلى قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، فقال: "هذا صنيع أهل الجاهلية كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويغذو كلبه. وقوله: {وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ} الآية وهم أهل الجاهلية جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميًا تحكمًا من الشياطين في أموالهم"١. ولكن أغلب الوأد هو عن العامل الأول، وهو الخشية من العيلة والفقر والإملاق، وهو ما نص عليه في الآيات المتعلقة بالوأد وبقتل الأولاد٢. وورد أن الجاهلية كانوا يدفنون البنات وهن أحياء. خصوصًا كندة، خوف العار، أو خوف الفقر والإملاق"٣.

ومن النساء من تكون خصبة في ولادة البنات، فيجلب لها هذا الخصب هجر زوجها لها وفراره منها ومن رؤية بناته. يحدثنا الأصمعي أن امرأة ولدت لرجل بنتًا سمتها الذلفاء، فكانت هذه البنت سببًا في هرب الرجل من البيت، فقالت:

ما لأبي الذلفاء لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا؟

يحرد أن لا نَلِدَ البنينا ... وإنما نأخذ ما يعطينا٤

ومثل تلك المرأة المسكينة كثير من النساء هجرهن أزواجهن لكثرة ما كن يلدن لهم من البنات، ولسان حالهن يكرر كلمات أم الذلفاء.

وبمكة جبل يقال له "أبو دلامة" كانت قريش تئد فيه البنات٥. وذكر أن هذا الجبل يطل على "الحجون". وقيل: كان الحجون هو الذي يقال له:


١ تفسير الطبري "٨/ ٣٨".
٢ تفسير الطبري "١٥/ ٥٧"، القرطبي، الجامع "١٠/ ٢٥٢".
٣ السيرة الحلبية "١/ ٥٣"، "باب تزويج عبد الله".
٤ ونسبت هذه الأبيات إلى امرأة أبي حمزة الضبي، الذي هجر زوجته ولجأ إلى خيمة جيرانه يبيت فيها فرارًا من زوجته التي ولدت له بنتًا، وقد وردت على هذه الصورة:
ما لأبي حمزة لا يأتينا ... يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا ... تالله ما ذلك في أيدينا
وإنما نأخذ ما يعطينا ... ونحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد زرعوه فينا
بلوغ الأرب "٣/ ٥١"، البيان والتبيين "١/ ١٠٤"، "١/ ١٨٦"، "عبد السلام محمد هارون"، روح المعاني، للآلوسي "١٤/ ١٥٣"، تفسير الطبري "١٤/ ٨٣".
٥ المستطرف "٢/ ٧٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>