للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال لمد الصوت بالنحيب "النقع"، وأما مدّ اللسان بالولولة ونحوها، فيقال له: "اللقلقة"١.

ويحترم الجاهليون الموت والميت فكانوا يقومون إذا مرت بهم جنازة، ويقولون إذا رأوها: "كنت في أهلك مائتًا مرتين". أما أهل الميت وأقرباؤه وأصدقاؤه فكانوا يسيرون أمام الجنازة وخلفها إلى المقبرة٢.

وتعفر النساء رءوسهن بالتراب وبالرماد وبالطين ويلطمن خدودهن بأيديهن، كما كن يلطخن رءوسهن بالطين ويسرن مع الجنازة إظهارًا للحزن والجزع على الفقيد. وترافقهن النادبات والمولولات، يندبن الميت يولولن عليه، يسرن حافيات مبالغة في إظهار الحزن.

وكانت العرب لا تندب قتلاها ولا تبكي عليها حتى يثأر بها، فإذا قتل قاتل القتيل، بكت عليه وناحت٣.

ويتبين من حديث "عمرو بن العاص" أن من عادات الجاهليين حمل النار مع الجنازة تصطحبها اصطحاب النائحة لها. وقد أباح "عمرو" لأهله نحر جزور عند قبره لتوزيع لحمها على المحتاجين، وأن يقيموا حول قبره حتى يستأنس بهم، وينظر ماذا يراجع به رسل ربه٤. ونجد مثل ذلك في خبر يذكر أن "أبا موسى الأشعري" لما حضره الموت دعا ابنه، فقال: "انظروا إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحدًا ولا يتبعني صوت ولا نار"٥. ويدل ذلك على أن عادة حمل النار مع الجنازة بقيت زمنًا في الإسلام.

ويؤخذ من شعر للأفوه الأودي إن الجاهليين كانوا يغسلون موتاهم قبل دفنهم٦.

وذكر "اليعقوبي"، أنه لما مات عبد المطلب "أعظمت قريش موته وغسل بالماء والسدر. وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر، ولف في حلتين من حلل اليمن قيمتها ألف مثقال ذهب وطرح عليه المسك حتى ستره، وحمل على


١ الأغاني "١٥/ ١٢".
٢ عمدة القاري "١٦/ ٢٩٣".
٣ نهاية الأرب "٣/ ١٣٢".
٤ صحيح مسلم "١/ ٧٨"، "كتاب الإيمان" كتاب الروح، لابن القيم الجوزيه "ص١٠" "الطبعة الثالثة" حيدر آباد ١٣٥٧هـ.
٥ طبقات ابن سعد "٤/ ١١٥"، "صادر".
٦ الطبري "٢/ ٢٨٨"، بلوغ الأرب "٢/ ٢٨٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>