بعد الميلاد. وزاد في تقليص حكم تلك المجالس تدخل الحبش بصورة مستمرة في شئون العربية الجنوبية، وانتزاعهم الحكم بالقوة من أصحابه الشرعيين وانفراد حكامهم وحدهم بالحكم، ثم اضطرار الملوك والأقيال والأذواء إلى مقاومة الحبش الغزاة وحشد كل الطاقات البشرية لطرد الحبش من بلادهم، وأحوال مثل هذه لا تسمح بإبداء رأي، فكان فيها موت تلك المجالس التي لم تكن كما قلت تمثل الشعب، لأنها لا تمثل السواد الأكبر، وإنما كانت تمثل أصحاب الوجاهة والسلطان ولكن وجود شيء فيه وقوف إزاء الملوك وتحد لسلطانهم إن أرادوا توسيعه، هو مهما كان نوعه خير من لا شيء ومن انفراد الملوك بالأمر دون خوف ولا رهبة من اعتراض أحد ومن نقد ناقد.
هذا، ولم نعثر على نص بالمسند، ورد فيه ذكر لعدد أعضاء المزاود أو المجالس التمثيلية الأخرى. أما ما ذكره "الهمداني" من أنه كان لحمير مجلس ينظر في أمور الملك واختيار الملك إذا مات الملك ولم يترك من يرثه، وأن عدد أعضاء ذلك المجلس ثمانون قيلًا، لا ينقص ولا يزيد، وأنهم إذا انتخبوا قيلًا منهم ليكون ملكًا عند عدم وجود من يخلف الملك، أو عدم رضائهم عن الملك لسبب من الأسباب، فإنهم كانوا ينتخبون قيلًا جديدًا ليكمل العدد المقرر١، فإننا لا ندري أكان ذلك حكاية عن وضع الحكم في اليمن في قبيل الإسلام، أم كان مجرد رواية من هذه الروايات الواردة عن الجاهلية، مما يرويه أهل الأخبار.
وقد نحمل روايته محمل الصدق بالنسبة إلى مجمل الخبر. أما بالنسبة إلى ثبات العدد فأمر لا نستطيع أن نأخذ به ونقطع بصحة ما ورد فيه.
وظهرت في القرن الثاني قبل الميلاد فما بعده ظاهرة جديدة أخرى، قد تدل على ضعف شخصية الملوك، وتقلص سلطانهم، هي ظاهرة ذكر اسم ولي العهد مع اسم الملك، وتلقيبه بلقب ملك تمامًا كما يلقب الملوك. فجاء اسم نهفان مع ابنه "شعرم اوتر""شعر أوتر"، دلالةً على أنهما حكما حكمًا مشتركًا، وجاء اسم ملك، وجاء مع اسمه اسم أخيه يحكم معه ويحمل لقب الملك، وجاء اسم ملك ومعه اسم ابنين أو ثلاثة أبناء، يشاركونه في اللقب