للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ما عرفناه من أصول الحكم عند العرب الجنوبيين. أما بالنسبة إلى العرب الشماليين، فإن معارفنا بنظام الحكم عندهم نزر يسير، لعدم ورود شيء ما عن نظام الحكم في "الحيرة" أو في مملكة الغساسنة في كتابة جاهلية. أما أخبار أهل الأخبار، فإنها قليلة في هذا الموضوع، وهي لا تنص على نظم الحكم عندها نصًّا، وإنما تشير إليها إشارة، وتومئ إيماء، ولذلك لا تقدم إلينا رأيًا واضحًا صحيحًا في أصول الحكم عند العرب الشماليين.

ويظهر من أخبار الأخباريين عن ملوك الحيرة أن أولئك الملوك لم يكونوا مثل ملوك اليمن من حيث استشارة المجالس وتوزيع أعمال الحكومة. وطبيعي أن يكون هنالك فرق بين أصول الحكم في العربية الجنوبية، وأصول الحكم في الحيرة، لا بين طبيعتي الحكومتين من اختلاف في نواح عديدة، تجعل وجود الاختلاف في نظم الحكم أمرًا لا بد منه. فإدارة الحكم في "الحيرة" متأثرة بالنظم السياسية الساسانية، وظروف البادية والبداوة وهي الغالب على سواد التابعين لملوك الحيرة، ولا يمكن تطبيق ما يطبق في المجتمع الحضري على المجتمع البدوي.

وإذا أخذنا "الردافة" على أنها منصب أو منزلة ودرجة خاصة في حكومة "الحيرة"، فإننا نستطيع أن نقول: إنها أسمى وظائف تلك الحكومة، أو أسى درجاتها، وأنها من المنازل العليا عند ملوكهم. فقد ذكر أهل الأخبار أن الردف هو الذي يجلس على يمين الملك. فإذا شرب الملك، شرب الردف قبل الناس، وإذا غزا الملك، قعد الردف في موضعه، وكان خليفته على الناس حتى ينصرف، وإذا عادت كتيبة الملك، أخذ الردف ربع الغنيمة١. وكان للردف أن يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم، فينظر بين الناس بعده. وذكر: أن هناك ردافة أخرى، ولكنها دون الردافة المتقدمة، وهي أن يردف الملك الردف على دابته في صيدٍ أو غيره من مواضع الأنس، ولكن الأولى أنبل٢.

وقد عرف "عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب" بـ"رديف الملوك"، ومعنى هذا أنه عاش وخالط عددًا من ملوك أيامه، وذكر أنه كان رحالًا إليهم.


١ بلوغ الأرب "٢/ ١٨٤ وما بعدها"، اللسان "٥/ ١٠٣"، "صادر"، "ر/ د/ ف".
٢ الأغاني "١٤/ ٦٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>