للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الصلح وتسوية الديات، وانصرف الناس من الحرب١.

هذه أيام من أيام عديدة أخرى ترد أسماؤها في كتب الأخبار والتواريخ٢، نرى أن أسبابها: طبيعة البداوة، وفقر البادية، وحاجة الناس إلى الماء والمرعى والاعتبارات الاجتماعية، وما شاكل ذلك من أسباب أدت إلى وقوع تلك الأيام. وقد علقت ذكراها بأذهان الرواة؛ لأنها وقعت في عهد لم يكن بعيدًا جدًّا عن الإسلام، وقد وقعت بالطبع مئات من هذه الأيام، محيت أخبارها من ذاكرة حفظة الأخبار ورواتها؛ لأنها وقعت في عهد بعيد عن الإسلام أو في أمكنة بعيدة لم يصل مداها إلى جُمّاع الأخبار في الإسلام، فلم يضبطوها في جملة هذا الذي ضبطوه.

والذي نجده من قراءة أسماء الأيام المذكورة ومن أخبارها، أن معظمها مما كان قد وقع في الحجاز أو في نجد أو العراق والبادية وبلاد الشأم والبحرين. أما الأيام التي وقعت في العربية الجنوبية فقلما نجد لها ذكرًا عند الأخباريين، خاصة أيام حضرموت وعُمان، مما يدل على عدم وصول أخبار هذه الأرضين إلى علم الأخباريين. والواقع أن علم أهل الأخبار والتأريخ بهذه البلاد ضعيف جدًّا، حتى في باب علمهم عنها في الإسلام، وهو أمر يؤسف عليه.

وتتخلل هذه الأيام أسماء الرجال المشهورين ممن كان لهم أثر خطير فيها، وهم قادتها ومساعير نيرانها ومكوِّنو تأريخ الجزيرة قبل الإسلام. وشأن هؤلاء الرجال من حيث بعدهم وقربهم عن الإسلام، شأن أيامهم، فأكثرهم من أهل القرن السادس للميلاد، وممن ماتوا في عهد لمن يكن بعيدًا عن الإسلام، أي في النصف الثاني من هذا القرن، لقد صنع القصاصون ومحبو المبالغات من رواة القبائل، على عادتهم، هالة من الأقاصيص والأساطير لأولئك الرجال، حملت بعض المستشرقين على الشك في حقيقة بعضهم. ولكن وجود القصص الخرافي لا يمنع من الاعتراف بوجود شخص كان قد عاش ومات، وكان له أثر ظاهر في قومه وأعمال أثرت


١ أيام العرب "٣٣٧"، الأغاني "١٩/ ٧٩ وما بعدها"، الكامل، لابن الأثير "/ ٣٦٣"، السيرة الحلبية "١/ ١٤٣"، البداية والنهاية، لابن كثير "٢/ ٢٨٩"، "١٩٣٢م"، "مطبعة السعادة".
٢ هناك أسماء أيام أخرى ذكرها أهل الأخبار، لا يمكننا التوسع فيها إذ يقتضي ذلك جملة مجلدات، راجع العمدة "٢/ ٢٠٠ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>