استيلاء في مقابل أجور زهيدة كانوا يدفعونها للمعبد، ولما لم يكن في وسع المعبد فعل شيء تجاههم، اضطر إلى قبول الأجر الزهيد الرمزي الدال على تملك المعبد للأرض. أما السادات فكانوا يؤجرون الأرض لأتباعهم بأجور عالية، ويربحون من ذلك أرباحًا كبيرة.
وعثر المنقبون على وثائق في خرائب بعض المعابد، تبين منها أنها كانت نصوص عقود إيجار واستئجار لأملاك المعبد، أي للأوقاف المحبوسة على أرباب المعبد. وقد ذكر المستأجرون فيها الشروط التي اتفقوا عليها مع المعبد في مقابل استغلال الوقف. وإذا كان المستأجر غير متمكن من أداء ما عليه للمعبد في مقابل استغلال الأرض، فإن من حقه الاستدانة من غيره أو الاتفاق معه على المساهمة معه في الاستغلال والاستثمار على شرط أخذ موافقة رجال المعبد على ذلك، وإدخال اسم الشخص الثاني في العقد، كي يكون مسئولًا شرعًا عن تنفيذ شروط العقد في حالة عدم تمكن زميله من ذلك١.
وقد اقتضى تضخم أملاك المعابد خلق جهاز خاص لإدارة الأملاك والأوقاف والإشراف على استحصال "الأعشار" عن الدخل وتركات الإرث والمشتريات إلى جانب النذور والقرابين وتوقيع العقد. جهاز رأسه كبار رجال الدين، الذين يمثلون الآلهة على الأرض، وقاعدته صغار رجال الدين ومن عهد إليهم أمر الإدارة من غير رجال الدين. فصار للمعبد بذلك نفوذ كبير في اقتصاد العربية الجنوبية في ذلك الوقت.
وفي المعابد مواضع يرمي الزوار فيها ما يجودون به على المعبد، تكون أمام الأصنام في الغالب. وهي خزائن تتجمع فيها النذور والهبات، فيأخذها السدنة، وأغلب ما يُرمى فيها الحلي والمصوغات المصاغة من الذهب والفضة، والأشياء النفيسة الأخرى. كما كانوا يعلقون السيوف والألبسة الثمينة على الأصنام وعلى الأشجار المقدسة تقربًا إليها، ووفاء بنذور نذروها لها.
ولم يبخل الجاهليون على أصنامهم، فقدموا لها حتى المأكل والمشرب؛ لاعتقادهم أنها تسر بذلك وتفرح. فقد عقلوا على "ذي الخلصة"، وهو صنم نصبه.
١ Die Bodenwirtschaft, S. ٢٢, A. Steinwenter, Beltrage Zum Offentlichen, ١٩١٥.