للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"عمرو بن لحي"، القلائد وبيض النعام، والبرد النفيسة، وقدموا له الحنطة والشعير، بل واللبن أيضًا؛ ليشرب منه، وذبحوا له١. فهم يعتقدون أن في الصنم روحًا. وأن في مقدوره التلذذ بهذه النذور. وكان في روعهم أنه يشرب من ذلك اللبن.

وقد أشير إلى الهبات التي تقدم إلى المعابد والآلهة بكلمة "وهبم" في النصوص القتبانية. بمعنى "وهب" و"هبات". ووردت كلمات أخرى تؤدي هذا المعنى أيضًا. منها: "ودم"، و"شفتم"، و"بنتم"٢. وتقابل هذه ما يقال له: "منحة" و"المنحة" عند العرب الشماليين.

وفي جملة ما يدخل في هذا الباب "بكرت"، أو "الباكورة" أول كل شيء. مثل الثمر وأول مولود بالنسبة للحيوان، حيث يُهدي للآلهة. وقد كان معروفًا عند العبرانيين وعند غيرهم من الساميين. وذلك أن يجعل صاحب المال ثمرة أول زرعه أو حيوانه نذرًا لآلهته٣. وقد أشير إلى هذا النذر أو الهبة في نصوص المسند. ومن "الباكورة" العقيقة التي تحدثت عنها في موضع آخر من هذا الكتاب.

وتلعب النذور دورًا خطيرًا في الحياة الدينية عند الجاهليين، حتى صارت عندهم بمثابة المظهر الأول والوحيد للدين. فالعامة لا تكاد تفهم من الدين إلا تقديم النذور للآلهة؛ لتجيب لها طلباتها وتنعم عليها بنعمائها. والنذور هي وعد على شرط. يتوسل الناذر إلى آلهته بأنها إن أجابت طلبًا عَيَّنَهُ، وحققت مطلبًا نواه، فعليه كذا نذر، يعينه ويذكره. فهنا عقد ووعد بين طرفين في مقابل تنفيذ شرط أو شروط، أحد طرفيه السائل صاحب النذر، أما الطرف الثاني فهو الإله أو الآلهة. وأما الشرط، فهو تنفيذ المطالب التي يريدها الناذر. وأما النذر، فهو أشياء مختلفة، قد تكون ذبيحة، وقد تكون جملة ذبائح، وقد تكون نقودًا، وقد تكون فاكهة أو زرعًا، وقد تكون أرضًا، وقد تكون تمثالًا، وقد تكون حبسًا لإنسان يهب نفسه أو مملوكه أو ابنه لإلهه أو لآلهته، وقد يوهب


١ الأزرقي، أخبار مكة "٧٨"، "لا يبزك".
٢ N. Rhodokankis, Katab Texte, I, S. ١٨, ٢٦.
٣ في العبرانية "بكوريم"، Ancient Israel ٣٨٠, ٤٠٤, ٤٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>