وذكروا أن أول من حرم القمار في الجاهلية "الأقرع بن حابس" التميمي، ثم جاء الإسلام بتقريره. وأن أول من رجم في الزنا في الجاهلية "ربيعة بن جدان"، ثم جاء الإسلام بتقريره في المحصن. وأول من حكم أن الولد للفراش أكثم بن صيفي، حكيم العرب، ثم جاء الإسلام بتقريره. وأن أول من قطع في السرقة في الجاهلية:"الوليد بن المغيرة"، ثم جاء الإسلام بتقريره. وأن أول من سن الدية مائة من الإبل "عبد المطلب" جد النبي، ثم جاء الإسلام بتقريرها. وأن أول من أوقد النار بالمزدلفة، قصي بن كلاب، وأن أول من أظهر التوحيد بمكة "قس بن ساعدة الإيادي"١.
ولكننا نجدهم يتقيدون بعرفهم وعاداتهم تقيدًا شديدًا، والعرف عندهم هو ما استقر في نفوسهم وثبت في ذهنهم، حتى صار في حكم الدين عندهم، فلا يجوز لأحد الخروج عليه وكسر حكمه. وعرف القبيلة، الذي هو دينها، هو الذي يعين لها الحرام والحلال، والمباح والمحرم. وأحكام رجال القبيلة من رؤساء وسادة وحكام، هي منبع التشريع والإفتاء في أمور الدين والحق في القبيلة. وما يلائم طبيعة القبائل، ويناسب عقليتها وينبع من محيطها. يكون دينًا على القبائل إطاعته؛ لأنه في صالحها جميعًا، ولأن في مخالفته ضررًا بالغًا، فصار من ثم في درجة أحكام الشرع عندها.
ومن قبيل الأعراف التي صارت ملزمة عندهم لكل أحد. وفي حكم الأحكام اللزومية، وجوب احترام العقود والعهود وما اتفق عليه من عهود. مثل مراعاة الأشهر الحرم بالنسبة للمحرمين فلا يجوز لأحد القتال فيها ولا الاعتداء على أحد، ولو كان قاتلًا مطلوبًا بدم. ومثل مراعاة حرمة الأماكن المقدس، كالمسجد الحرام، فلا يجوز لأحد التعرض لحيوان لجأ إليه، أو لإنسان لاذ به، ولو كان قاتلًا. وهذا ما حمل البعض على ملازمة "البيت الحرام" وعدم الخروج منه؛ لأنه غير آمن على نفسه، ولأنه مطلوب بدم.
ومثل ما كان يفعله الناس من التمسك بالعهود والمواثيق والأحلاف. وقد عيب رجلان قتلا رجلين كانا تقلدا لحاء شجر الحرم الذي كان أهل الجاهلية يتقلدونه؛