للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذهب بعض أهل الأخبار والسير إلى أن الآية المذكورة، نزلت في أمر الحمس، "لأن الحمس لا يدخلون تحت سقف ولا يحول بينهم وبين السماء عتبة باب ولا غيرها، فإن احتاج أحدهم إلى حاجة في داره تسنم البيت من ظهره، ولم يدخل من الباب"١. وذهب المفسرون إلى أنها نزلت في الأنصار، فقد كانوا إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجل فدخل من قبل بابه، فكأنه عير بذلك، فنزلت هذه الآية. وورد: "كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام، فبينما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بستان، إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا: يا رسول الله إن قطبة بن عامر رجل فاجر، وإنه خرج معك من الباب! فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: فإن ديني دينك! فأنزل الله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} ٢. وقد أغفلت بعض الروايات اسم من كان لا يدخل البيوت من أبوابها، بأن قالت: "كان أهل الجاهلية يأتون البيوت من ظهورها ويرونه برًّا"، أو "كانوا في الجاهلية إذا أحرموا أتوا البيوت من ظهورها، ولم يأتوا من أبوابها" أو "إن ناسًا كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطًا من بابه ولا دارًا من بابها أو بيتًا" أو "كان ناس من أهل الحجاز، إذا أحرموا لم يدخلوا من أبواب بيوتهم ودخلوها من ظهورها"٣. وذكر أن من كان يفعل ذلك، فإنما يفعله؛ لأنهم كانوا يتحرجون من أن يكون بينهم وبين السماء حائل٤.

وقد جعل "اليعقوبي" العرب في الجاهلية على دينين: دين الحمس ودين الحلة. وذلك بالنسبة للمشركين. وذكر أن منهم من دخل في دين اليهودية وفي النصرانية، ومنهم من تزندق وقال بالثنوية، وبهذه الفرق حصر "اليعقوبي" أديان أهل الجاهلية. إذ قال: "فهاتان الشريعتان اللتان كانت العرب عليهما. ثم دخل قوم من العرب في دين اليهود، وفارقوا هذا الدين. ودخل آخرون.


١ الروص الأنف "١/ ١٣٤ وما بعدها".
٢ أسباب النزول "ص٣٥ وما بعدها".
٣ تفسير الطبري "٢/ ١٠٨" وما بعدها.
٤ المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>