للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وورد في خبر عن "عائشة" أنها قالت: "إن الأنصار كانوا يلهون في الجاهلية لصنمين على شط البحر، يقال لهما: "إساف ونائلة، ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون، فلما جاء الإسلام، كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، فأنزل الله عزل وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله إلى آخرها. قالت فطافوا". وهو خبر يناقض أخبارًا أخرى يتصل سندها بـ"عائشة تجمع على أنها قالت: إن الأنصار أو الأنصار وغسان كانوا قبل أن يسلموا يصلون لمناة، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سُنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة١، ولم أجد في خبر آخر شيئًا يفيد أن إسافًا ونائلة كانا على ساحل البحر.

و"السعي" في الإسلام سبعة أشواط، تبدأ بالصفا، وتختتم بالمروة. وعندما يصل الحاج حد "السعي" يسعى ويهرول، فإذا جاز الحد مشى. وكان الجاهليون يبدأون بـ"الصفا" وينتهون بـ"المروة" كذلك٢.

ومن مناسك حج أهل الجاهلية الوقوف بـ"عرفة"، ويكون ذلك في التاسع من ذي الحجة ويسمى "يوم عرفة" ومن "عرفة" تكون "الإجازة" للإفاضة إلى "المزدلفة"، ومن "المزدلفة" إلى "منى". وقد كان الجاهليون من غير قريش يفيضون في عرفة عند غروب الشمس، وأما في المزدلفة فعند شروقها. وكان الذي يتولى الإجازة رجلًا من تميم يقال له "صوفة"، ثم انتقلت إلى "صفوان" من تميم كذلك٣. ولم يكن "الحمس" يحضرون عرفة، وإنما يقفون بالمزدلفة، وكان سائر الناس يقف بعرفة. ولما رأى أحد الصحابة رسول الله واقفًا بعرفة عجب من شأنه وأنكر منه ما رأى لأنه من الحمس، وما كان يظن أنه يخالف قومه في ذلك، فيساوي نفسه بسائر الناس، فأنزل الله: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٥،


١ صحيح مسلم "٤/ ٦٨"، "باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به".
٢ راجع باب الحج في كتب الحديث والفقه.
٣ ابن هشام "٧٧، ٨٢"، اللسان "٧/ ١٩١"، تاج العروس "٦/ ١٩٣"، الروض الأنف "١/ ٨٦"، الصحاح "٣/ ١٠٩٩"، البلدان "٤/ ١٠٤".
٤ إرشاد الساري "٣/ ٢٠٠"، تفسير الطبرسي "٢/ ٢٩٦"، تفسير ابن كثير "١/ ٢٤٢ وما بعدها"، أسباب النزول "٤٢".
٥ البقرة، الآية ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>