للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحتاجون إليه من طعام وزاد، فحصلوا على مال، حسدهم عليه الآخرون. فكان الفضل في ذلك للبيت. وإلى ذلك أشير في القرآن، في سورة "قريش": {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} ١.

هذا ما عرفناه عن شعائر الحج إلى مكة وعن مناسكه في الجاهلية المتصلة بالإسلام. أما عن الحج إلى البيوت الأخرى وعن شعائره ومناسكه، فلا نكاد نعرف من أمرها شيئًا يذكر. ولكننا نستطيع أن نقول إن من أهم أركان الحج عند جميع الجاهليين، وجوب مراعاة النظافة، نظافة الجسم ونظافة الثياب. ولذلك، كانوا إذا حجوا لبسوا ملابس خاصة بالحج هي "الإحرام" أو ملابس جديدة، أو ملابس مستعملة نظيفة مغسولة، وذلك لحرمة هذه المواضع وقدسيتها، فلا يجوز دخولها بملابس وسخة دنسة، وإذا كانوا يلبسون أحسن ما عندهم عند ذهابهم إلى مقابلة عظيم أو سيد قبيلة أو رجل محترم؛ احترامًا له وإجلالًا لشأنه، أفلا يجب إذن لبس خير ما عند الإنسان من ثياب لدخول بيوت الآلهة، ولا سيما في مواسم الحج؟. وكان منهم من يوجب على نفسه الغسل وتنظيف جسده حين دخوله المعبد أو اعتزامه الحج.

وتقبيل الأصنام والأحجار واستلامها في أثناء الطواف والتمسح لها من الشعائر الدينية اللازمة في الحج وفي غير مواسم الحج عند الزيارات. كان في روعهم أن هذا التقبيل مما يقربهم إلى الآلهة، ويوصلهم إليها، فتجعلها ترضى عنهم وتشفيهم مما هم فيه من سقم وأمراض، فتقربوا إليها ومسحوا أجسامهم بها تبركًا وتقربًا. و"التمسح" بالصنم أو الحجر المقدس، التبرك به لفضله وعبادته، كأنه يتقرب إلى الآلهة بالدنو منه ولمسه٢. وقد كان رجال الدين يمسحون بأيديهم أجسام المرضى وثيابهم؛ لإزالة السوء عنهم. وقد ذكر أهل الأخبار أن الجاهليين كانوا يتمسحون بأصنامهم، ويمسحون ظهورهم بها؛ لاعتقادهم أنها تشفيهم من كل ألم وسوء.

واستلام الصنم أو الحج المقدس، هو نوع من أنواع التقدير والتعظيم والتقرب. ويراد بذلك تقبيل الحجر ولمسه وتناوله باليد ومسحه بالكف. وإذا صعب الوصول


١ سورة قريش، الرقم ١٠٦، رقم الآية ٣ وما بعدها، تفسير الطبري "٣٠/ ١٩٧"، روح المعاني "٣٠/ ٢٤١".
٢ تاج العروس "٢/ ٢٢٦"، "مسح".

<<  <  ج: ص:  >  >>