للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يسلم من يهود في أيام الرسول غير عدد قليل من المتبينين منهم. مثل: عبد الله بن سلام، ولم يتعاون معه غير عدد قليل منهم مثل يامين بن عمير بن كعب النضري، ويامين بن يامين الإسرائيلين ومخيريق، وكان رجلا غنيا صاحب نخيل، وهو أحد بني ثعلبة بن الفطيون، حث قومه على مساعدة الرسول ومعاونته في غزوة أحد. وكان الرسول قد طلب مساعدتهم لوجود صحيفة بينه وبينهم. فلما اعتذروا له بالسبت، خالفهم مخيريق قائلا لهم: لا سبت لكم، وقاتل معه حتى قتل، فقال الرسول: مخيريق خير اليهود. وقد وصف بالعلم، وذكر إنه كان حبرا عالما فيهم١. آمن بالرسول وجعل ما له له، وهو سبعة حوائط فجعلها الرسول صدقة٢.

أما عبد الله بن سلام، فكان يدعي، وهو في يهوديته، الحصين بن سلام بن الحارث. وسلام اسم والده. فلما أسلم سماه رسول الله "عبد الله"، وهو من بني قينقاع، أسلم والرسول في مكة لم يهاجر بعد، وذلك في رواية من الروايات. وأسلم بعد الهجرة على أكثر الروايات. ذكر إنه كان شريفا في قومه، سيدا، صاحب نسب وحسب، وإنه كان حبرا عالما. فلما أسلم، نبذه قومه، وتحدثوا فيه٣. وقد نزلت فيه بضع آيات٤.

أما أنه كان حبرا من الأحبار، عالما في شريعتهم، فلا يمكن البت فيه، فقد جرت عادة أهل الأخبار على إطلاق كلمة "الحبر" على نفر ممن أسلم من يهود في أيام الرسول، كما أطلقت على نفر ممن أسلم بعده، مثل كعب الذي عرف بكعب الأحبار. ولا يمكن في نظري البت في درجات علم أمثال هؤلاء وفي مقدار فهمهم للتوراة ولكتب يهود إلا بجمع ما نسب إليهم من قول، ودراسته. عندئذ نستطيع أن نحكم على علمهم إن كان لهم علم بأحكام ديانة يهود وبالعالم وبما كان يتدارسه علماء ذلك العهد. ورأيي أن هذه الدرجات إنما منحها لهم


١ ابن هشام "٢/ ١٤٠"، "٣/ ٣٨"، "محمد محيي الدين عبد الحميد".
Graetz VoI III p٧٥
٢ البلاذري، فتوح "٢٤"، الإصابة "٣/ ٣٧٣"، "رقم ٧٨٥٢"، "من بني النضر ... ويقال إنه من بني قينقاع، ويقال من بني الفطيون".
٣ ابن هشام، سيرة "٢/ ١٣٧"، أسد الغابة "٣/ ١٧٦"، تهذيب الأسماء واللغات "١/ ٢٧٠ وما بعدها" الروض الأنف "٢/ ٢٥".
٤ تهذيب الأسماء "١/ ٢٧١"، الإصابة "٣/ ١١٦"، "٢/ ٢١٢"، "رقم ٤٧٢٥". "١٩٣٩م".

<<  <  ج: ص:  >  >>