للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطابع هذا النظم وأسلوبه يفصحان إنه نظم من النوع التعليمي الديني، لا أدري أكان شاعرنا يعترف به وينسب إلى نفسه؟ أما أنا، فلا أرى إنه لشاعر عربي عاش قبل الإسلام.

ونجد في "شعر "عدي" نزعة من نزعات التصوف والتأمل، جاءت إليه من الأوضاع التي أحاطت به، من وشايات، ومن غضب الملك عليه ومن سجن، بعد أن كان السيد المهيمن. حتى صار الدهر عنده حالا بعد حال. لا يدوم صفاؤه لأحد، فلا يركن أحد إليه، ولا يغتر إن وجد نفسه في أعلى عليين، فقد يسقط غدا إلى أسفل سافلين١.

وهناك شاعر آخر اسمه "الملمس بن عبد المسيح" يدل اسم أبيه على أنه كان نصرانيا، غير أن هناك رواية أخرى تذكر أن اسم والده "عبد العزى"٢. وعبد العزى من أسماء الوثنيين كما هو معروف. ثم إننا لا نجد في شعره ما يشير إلى آراء وعقائد نصرانية يمكن أن يستنبط منها أن كان نصرانيا. ورجل يحلف في شعره باللات والأنصاب لا يعقل أن يكون نصرانيا٣.

أما الأعشى، فهو شاعر عاش في الجاهلية، وأدرك أيام الرسول. ومدحه بقصيدة جميلة مشهورة، جعلت أبا سفيان يحرض قومه على إرضائه خوفًا من أن يسلم ومن أن ينظم شعرا آخر في مدح الرسول وفي ذم قريش، فجعل له مائة من الإبل جمعها من قومه على أن يرجع ويؤجل أمر إسلامه عاما. فرجع إلى بلدته "منفوحة" باليمامة. وكان قد ولد بها، فمات بها بعد حين وعرف قبره بين الناس أمدا.

وكان الأعشى كما يروي أهل الأخبار جوابا في الآفاق، عرف الحيرة ونادم ملوكها، وزار النجاشي في أرضه، وتجول في أرض النبيط وأرض العجم. وتنقل في أرجاء اليمن وفي حضرموت وعمان وبلاد العراق وبلاد الشام ومتع نظره


١ العمدة "١/ ٢٢٣".
٢ VoIIers, Die Gedichte des MutaIammis, Leibzig, ١٩٠٣, S. ١٤٩.
٣
أطردتني حذر الهجاء ولا ... واللات والأنصاب لا تثل
ديوان المتلمس "١٧١" "طبعة "فولرس"، النصرانية "٤٠٤"

<<  <  ج: ص:  >  >>