للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القديمة، وهي تناجي أهل البلاد لعلهم ينتبهون إليها فيعيدون إليها الحياة، وقد كانت زراعة الكروم ولا تزال من أهم المزروعات التي تعتمد على هذه الطريقة. وهي تتحمل جوًّا باردًا بعض البرودة ومعتدلًا، ولهذا تجود بالثمر الكثير الطيب في هذه المدرجات.

وقد أشار "بطلميوس"، إلى اتخاذ أهل النجود والجبال في بلاد العرب المدرجات لزرعها وتشجيرها. وأطلق على الجبال المكونة للقسم الجنوبي من "السراة" اسم "Climax Mons" ومعناه الجبال المدرجة، فترى وكأنها ذات سلالم. وهذه الطريقة شائعة في اليمن حتى اليوم، ولا سيما في جبل حضور نبي شعيب وفي الأقسام الغربية من السراة. فجبال "القليمس" "Climax Mons" التي يشير إليها "بطلميوس"، إذن هي القسم الجنوبي من السراة الممتد في اليمن وعسير١.

وزرع أهل "السراة" على هذه الطريقة أيضًا، وكذلك أهل الجبال والمرتفعات، ففي استطاعة المزارع في المواضع المرتفعة الاستفادة من ماء المطر وبالتحكم فيه، وبحصره في "الركيب" أي المشارة المزروعة، أعني المزرعة التي يزرع بها، والتي قد تكون ما بين ساقيتين أو الجدول بين الدبرتين، أو المزرعة بصورة عامة. كما جاء في قول تأبط شرًّا:

فيومًا على أهل المواشي وتارة ... لأهل ركيب ذي ثميل وسنبل٢

لقد تبين من نتائج الفحص العام الذي قام به الباحثون لمواضع من العربية الجنوبية، أن الزراعة كانت متقدمة تقدمًا كبيرًا في اليمن بالنسبة إلى بقية أنحاء جزيرة العرب، وأن العربي الجنوبي حرص حرصًا شديدًا على الاستفادة من الأمطار في إرواء أرضه، كما تبين ذلك من آثار السدود التي تلاحظ في كل واد تقريبًا. وهي سدود أقيمت لا لكي تتحكم في سير "السيول" وفي ضبطها خشية إغراق المدن والقرى والزرع فقط، بل لكي يمكن خزنها في أحواض وتوجيهها الوجهة التي يريدونها في أوقات الحاجة إليها، وذلك بواسطة أبواب


١ Glaser, Skizze, Ii, S. ٢١٥, D.G. Hogarth, The Penetration Of Arabia, P.٢٠, Forstet\R, Ii, P.٢٧٠. F.
٢ تاج العروس "١/ ٢٧٨"، "ركب".

<<  <  ج: ص:  >  >>