للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض الزرع. وكذلك وجدت بعض مواضع مياه "مكة" والعربية الجنوبية، ومن الأماكن الخصبة "وادي الغرس"، قرب "فدك" بينها وبين "معدن النقرة"، وكانت فيه منازل بين النضير١.

ومن المواضع التي استغلت في الزراعة الجرف، وهو موضع قرب المدينة على ثلاثة أميال منها، بها كانت أموال "عمر". ومنه حديث "أبي بكر" أنه مر يستعرض الناس بالجرف فجعل ينسب القبائل حتى مر ببني فزارة٢. وكان "عبد الرحمن بن عوف" يزرع به على عشرين ناضحًا، فكان يدخل منه قوت أهله سنة٣. أي أنه كان يسقي زرعه نضحًا. والناضح البعير أو الحمار أو الثور الذي يستقي عليه الماء، والنضيح من الحياض ما قرب من البئر حتى يكون الإفراغ فيه من الدلو، ويكون عظيمًا، وهي ناضحة وسانية٤.

وأرض يثرب وما تبعها من أطراف، هي من الأرضين الخصبة، وقد حفر أصحابها آبارًا بها، وسقوها منها، وغرسوا عليها النخيل وزرعوا بها. واتخذوا لهم بها "الحوائط" و"البساتين". ويظهر أن بعضها كانت واسعة تسقي بآبار غنية بالماء، لها جملة نواضح، وهي تظهر أن أهل المدينة كانوا مزارعين، وأن مزارعهم كانت تأتي عليهم بمال طيب، جعل بعضهم من الأثرياء، وقد استفيد من شراج الحرة في سقي المزارع، وكانت تستمد ماءها من الحرة، وقد كانت للزبير بن العوام مزرعة على هذه الشراج، كما كان لأنصاري مزرعة عليها كذلك، وقد ورد ذكرها في كتب الحديث بسبب اختلافهما على السقي٥.

وتنافي هذه الأخبار المتحدثة عن اشتغال الأنصار بالزراعة، الأخبار الأخرى، التي يرويها أهل الأخبار أيضًا، الذاكرة أن الأنصار، أهل المدينة لم يكن لهم علم بالزراعة ولم يكونوا يقبلون عليها، إقبال يهود خيبر وفدك ووادي القرى على الفلاحة. ويظهر أن رواياتهم هذه إنما نشأت من الوضع السيء الذي كان فيما بين الأوس والخزرج ومن تقاتلهم بعضهم مع بعض، على الرئاسة والزعامة، وبسبب العصبية القبلية الضيقة، فأثر كل ذلك على الزراعة في يثرب وفيما حولها


١ تاج العروس "٤/ ٢٠١"، "غرس".
٢ تاج العروس "٦/ ٥٦"، "جرف".
٣ الاستيعاب "٢/ ٣٨٨"، "حاشية على الإصابة".
٤ تاج العروس "٢/ ٢٤٠"، "نضح".
٥ إرشاد الساري "٤/ ١٩٧ وما بعدها"، تاج العروس "٢/ ٦٣"، "شرج".

<<  <  ج: ص:  >  >>