للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثقفين ثقافة عالية بالقياس إلى زمانه، وفي شعره زهد وتصوف وتدين وتأمل وتفكر، فلا يستبعد إذًا أخذه من التوراة ومن الأناجيل. وقد أورد "الهمداني" له أبياتًا في قصة آدم وحواء والجنة والحيّة١, وهي أبيات فيها ركة وضعف، ولكنها منتزعة من "سفر التكوين" من التوراة أخذت منه٢. وهي إن كانت من شعره ومن نظمه حقا، كانت أقدم شعر يصل إلينا في نظم بعض قصص التوراة بلغة عربية.

وأما "أمية بن أبي الصلت" فقد كان واقفا على كتب اليهود والنصارى كما يذكر أهل الأخبار، قارئا لكتب الديانتين، مطلعا على العبرانية أو السريانية أو على اللغتين معًا، إن كان واقفا أي حائرا بين الديانتين، فلم يدخل في أمية ديانة منهما، وإنما كان من الأحناف على حد تعبير أهل الأخبار؛ لذلك لا يستبعد وقوفه على قصص توراتي وإنجيلي، وعلى الاستفادة منه في الشعر. ونجد في شعره ألفاظا غريبة، يذكر أهل الأخبار أنه أخدها من لغات أهل الكتاب، فوضعها في شعره، وشعره كما قلت في مواضع من هذا الكتاب يستحق من هذه الناحية الدرس والنقد، لنرى إلى أية درجة من الحق والصدق تصل دعاوى أهل الأخبار في شعر أمية، وفي نسبته إليه. وهو إن ثبت أنه له، كان أيضا دليلًا على وقوف المثقفين من الجاهليين على كتب أهل الكتاب، وشيوعه في الحجاز، وكان أيضا دليلا على نظم بعض الشعراء لحوادث التوراة والإنجيل في شعرهم في ذلك العهد.

ونجد في شعر "أمية بن أبي الصلت" وأمثاله من المتصلين بأهل الكتاب القارئين لكتبهم كما يذكر أهل الأخبار، فائدة كبيرة لنا في تكوين رأي عام عن وقوف العرب على الآراء التوراتية في الجاهلية، وفي جملة ذلك أنساب التوراة. وفي الشعر المنسوب إلى "أمية" آراء مستمدة من التوراة، مثل شعره في "نوح" وفي قصة "الطوفان" والغراب والحمامة وبقية حكاية الطوفان إلى زواله، فإنه إن صح دل على وقوف "أمية" على خبر قصة "الطوفان" الواردة في السفر السادس فما بعده من التكوين. فإن ما جاء في هذا الشعر هو اقتباس


١ الإكليل "١/ ٢٩ وما بعدها".
٢ الإصحاح الثاني وما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>