للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما ورد في تلك الأسفار١. ونجد له أشعارًا أخرى إن صحت نسبتها إليه، دلت على أنه كان على اتصال بأهل الكتاب، وعلى أخذٍ منهم. ولعله كان يغرف من قصصهم الذي كان يشرح للناس ما جاء في التوراة، أو أنه كان يراجع ترجمات للتوراة كانت بعربية أهل الكتاب في ذلك العهد، أو يسمع منهم ترجمة التوراة سماعًا فوقف على بعض ما جاء فيها، وفي جملة ذلك هذا القصص، وربما الأنساب المتعلقة بالعرب كذلك.

وحكاية "أمية" عن الطوفان أقرب إلى التوراة من حكاية "الأعشى" أبي بصير ميمون بن قيس، عن الطوفان, وذلك إن صح أن ذلك الشعر من نظمه حقا؛ فإن العناصر التوراتية فيه ليست بارزة واضحة وضوحها في شعر أمية. ويظهر من بعض الجمل الواردة في شعر الأعشى عن الطوفان, مثل:

ونادى ابنه نوح وكان بمعزل ... ألا اركب معي واترك مصاحبة الكبر

فقال:

سآوي نحو أعيط مشرف ... بطول شنان السماء ذي مسلك وعر٢

ومثل:

ونجا لنوح في السفينة أهله ... ملاحكة الألواح معطوفة الدسر

فلما استوت من أربعين تجرمت ... تناهت على الجودي أرست فما تجري٣

ومن مضمون القصة نفسها، أن المنبع الذي استقى منه الشاعر "الطوفان" هو القرآن الكريم، ومن يراجع الآيات المنزلة عن "نوح" وعن الطوفان وعن ابنه، وكيف امتنع عن الركوب معه بالرغم من إلحاح نوح عليه، يجزم أن الشاعر المذكور قد أخذ الطوفان من القرآن الكريم ومن موارد إسلامية، واستعمل ألفاظا وتراكيب وردت في كتاب الله، ولم ترد في التوراة.


١ راجع التكوين، الإصحاح السادس فما بعده، الإكليل "١/ ١٨ وما بعدها".
٢ "الكبر" هكذا ضبطت في الإكليل "١/ ٥٢"، وارى أن لفظة الكفر أنسب إلى المعنى من هذه اللفظة.
٣ الإكليل "١/ ٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>