للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحرية يستأجرهم ليكونوا معه يبذرقونها، أي يخفرونها ويقاتلون من يتصدى لها بسوء١. وقد كانت بالأبلة التي عاشت قبل البصرة جاليات جاءت إليها من الهند، فقد كان الاتجار بين الهند وجنوبي العراق وسواحل جزيرة العرب اتجارًا قديمًا، وقد أقامت جاليات أخرى منها في مواضع من هذه السواحل، وقد أشرت إلى عثور العلماء على هياكل بشرية بأرض عمان، تمثل "الدرافيديين"، أي سكان الهند القدامى، وإلى وجود أثر لملامح هندية في سكان ساحل عمان تظهر عليهم حتى اليوم.

وصناعة السفن الكبيرة تحتاج إلى أخشاب صلدة قوية وإلى مسامير من حديد تستعمل في ربط الألواح والأخشاب بعضها ببعض، وإلى أيدي فنية عاملة، وعلم بهندسة بناء السفن. ولم تتيسر هذه الأشياء في جزيرة العرب. فالخشب الصالح لبناء السفن غير موجود في أكثر أنحائها، ولهذا اقتصرت صناعة السفن على السفن الصغيرة في الغالب، وهي سفن ليس في مقدورها اختراق آفاق البحار الكبيرة والمحيطات، والتجول بحرية في أية ناحية كانت من نواحي البحر الواسعة. ولم يكن لها إلا السير في محاذاة السواحل، وهو سير يكلفها كثيرًا، فعلى السفن أن تقطع مسافات طويلة معرضة نفسها لمخاطر الاصطدام بالصخور الكامنة في المياه ولهجمات لصوص البحر الجائعين وللجوء إلى مراسي كثيرة طلبًا للماء العذب والزاد، ولتمضية وقت طويل، على حين لا تحتاج السفن الكبيرة إلى كل ذلك، فهي قادرة بفضل متانتها وقوة صنعها من اختصار المسافات وتقصير الوقت وحماية نفسها من هجمات لصوص البحر باستخدام الرياح البحرية، وقطع البحر باستقامة وبحرية إلى أي ميناء يريده الربان.

وكان على أصحاب معامل السفن العرب استيراد الخشب القوي الصالح لبناء السفن من الخارج، أو شراء السفن جاهزة من الأسواق الخارجية، وفي كلتا الحالتين يتكلف المشتغلون بالتجارة البحرية تكلفًا باهظًا، ويكونون عالة في قوتهم وفي أعمالهم على الخارج. وهذا ما سهل للرومان واليونان والفرس مزاحمة الدول العربية الجنوبية في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي، ومن إنزال خسائر فادحة في ثروة العرب، أثرت أثرًا كبيرًا في الأوضاع السياسية والاقتصادية لجزيرة العرب،


١ اللسان "٢/ ٢٩٤"، "١٠/ ١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>