للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكر علماء التفسير أن متجر الناس في الجاهلية كان سوقي عكاظ وذي المجاز، فلما جاء الإسلام تركوا ذلك. وكانوا لا يتجرون في أيام الحج، فكانوا لا يبيعون أو يبتاعون في الجاهلية بعرفة، ويبتاعون ويبيعون قبل وبعد أيام الحج، إذ كانوا يتأثمون من الاتجار في أيام الحج١.

وقد كان الحج من أكبر مواسم الربح لقريش، تبيع قريش ما عندها للأعراب القادمين إليها من البادية ولأهل القرى البعيدة عن مكة، وتشتري منهم ما يحملونه معهم من مواد وسلع، ثم تقوم قوافلهم بنقل الفائض مما اشترته إلى الأسواق الخارجية في بلاد الشام أو العراق، وتشتري في مقابل ذلك ما يحتاج إليه الحجاز وأعراب البادية من سلع ومواد.

ومكة في مواسم الحج وفي المناسبات الأخرى سوق تجارية مهمة، لا تقل شأنًا في الواقع عن الأسواق الأخرى. وقد تمكن أهلها النشطون في جمع المال من اكتناز الأموال ومن استثمار ما يحصلون عليه من أرباح, حتى صاروا من أغنى الناس في الحجاز.

ويظهر من روايات أهل الأخبار أن حظ المفاخرة والمباهاة والتمدح والذم، لم يكن بأقل من حظ البيع والشراء في سوق عكاظ, فقد كان الشعراء يعرضون أجود وأحدث ما عندهم من شعر على الحاضرين٢. وكان كثير من هؤلاء الحاضرين إنما يفدون إليها للوقوف على أحدث ما يقال من صنوف الشعر، وهو صنف رائج أكثر من رواج النثر بالطبع, لما فيه من إيقاع وموسيقى ووزن وسهولة في الحفظ وأثر في النفس؛ لذلك كان للشاعر في هذه السوق مكانة تزيد كثيرًا على مكانة التاجر فيها؛ لما لشعره من أثر في الحياة العامة لمجتمع ذلك اليوم.

ويقال: إن الشاعر الشهير "النابغة الذبياني" كان يحضر سوق عكاظ، فتُضرَب له قبة من أدم، يجلس تحتها، فيفد إليه من الشعراء من يريد أن يفتخر


١ تفسير الطبري "٢/ ١٦٥ وما بعدها".
٢ تاج العروس "٥/ ٢٥٤ وما بعدها"، اللسان "٩/ ٤٤٧"، "وقد كانت قبائل العرب تجتمع فيها كل سنة، يتفاخرون فيها ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما أحدثوا من الشعر ثم يتفرقون"، البلدان "٦/ ٢٠٣"، ابن خلدون، المجلد الثاني "ص٦٤٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>