للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو عمدًا أو ظهورًا بمظهر العلم والإحاطة بأنساب العرب وأخبارهم، الجاهليين منهم والإسلاميين.

ولم أجد في الشعر الجاهلي هذه القحطانية والعدنانية التي يراها أهل النسب والأخبار، وأقصى ما وجدته فيه قصيدة للأخنس بن شهاب بن شريق التغلبي حوت أسماء قبائل وأسماء مواطنها ومواضعها، هي: "معد" و"لكيز" و"بكر" و"تميم" و"كلب" و"غسان" و"بهراء" و"إياد" و"لخم"١. وهي قبائل بعضها عدنانية وبعضها قحطانية في اصطلاح أهل النسب، إلا أنني لم أجد فيها أسماء آباء هذه القبائل ولا أجدادها، ولم أستطع أن أفهم منها أن هذه القبيلة، هي قبيلة عدنانية، وأن تلك قبيلة قحطانية، فقد جاءت الأسماء متداخلة وكل ما وجدته فيها مما يخص النسب، هذا البيت:

فوارسها من تغلب ابنة وائل ... حماة كماة ليس فيها أشائب

ولم يرتفع الأخنس بنسب تغلب إلى ما وراء وائل من آباء وأجداد.

والحق: إن من يقرأ هذه القصيدة دون أن يقرأ اسم صاحبها، يرى أنها من قصائد الشعراء المتكلفين الذين ظهروا في أيام الدولة العباسية، ولن يخطر بباله أبدًا أنها من نظم شاعر جاهلي. وأنا أريد أن أتجاسر فأقول: إني أشك في صحة نظم ذلك الشاعر لهذه القصيدة، وأسلوب نظمها يأبى أن يرجعها إلى ذلك العهد.

وقد خصص "ابن النديم" في كتابه "الفهرست" فصلًا بـ"أخبار الأخباريين والنسابين وأصحاب الأحداث"، ذكر فيه أسماء بعض من عرف واشتهر بحفظه للأنساب، ولا سيما من ألف فيهم تأليفًا في النسب. وقد طبعت بعض مؤلفات المذكورين، وهي متداولة بين الناس. والذين ذكرهم "ابن النديم" هم من اشتهر وعرف وذاع خبره في العراق وفي البيئة التي اتصل بها "ابن النديم"، وهم من أهل الحواضر في الغالب، إلا أن بين أهل البوادي والأماكن القصية النائية المنعزلة جماعة كانت قد تخصصت بالنسب، انحصرت شهرتها في البيئة التي


١ المفضليات "ص٩٥ وما بعدها"، طبعة السندوبي، القاهرة ١٩٢٦م.

<<  <  ج: ص:  >  >>