للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاشت فيها. ولهذا لم يصل خبرهم إليه وإلينا، وكثير منهم لم يؤلف في النسب تأليفا، وإنما حفظه حفظًا، شأنهم في ذلك شأن النسابين الجاهليين، أو الذين أدركوا الإسلام.

ونجد في كتب الأدب والتواريخ قصصًا عن بعض النسابين في الجاهلية وفي الإسلام, يثير الدهشة من قدرة وشدة الحافظة عند أولئك النسابين في حفظ الأنساب, وقد عرف أحدهم بـ"النَّسَّابة"، فقيل: "فلان النسابة" أو "النسابة". وقد كان لهم شأن خطير بين قومهم؛ لأنهم المرجع في الأحساب والأنساب، وإليهم المفزع عند حصول اختلاف في الأمور المتعلقة بها. ويذكر أن الخليفة "عمر" أمر بتسجيل الأنساب وتبويبها وتثبيتها في ديوان، وذلك عند فرضه العطاء، "فبدأ بالترتيب في أصل النسب، ثم ما تفرع عنه، فالعرب: عدنان وقحطان, فقدم عدنان على قحطان؛ لأن النبوة فيهم وعدنان تجمع ربيعة ومضر، فقدم مضر على ربيعة لأن النبوة فيهم، ومضر تجمع قريشا وغير قريش، فقدم قريشا لأن النبوة فيها, وقريش تجمع بني هاشم وغيرهم، فقدم بني هاشم لأن النبوة فيهم، فيكون بنو هاشم قطب الترتيب، ثم بمن يليهم من أقرب الأنساب إليهم حتى استوعب قريشًا، ثم بمن يليهم في النسب حتى استوعب جميع عدنان١. وقد كان هذا التسجيل سنة خمس عشرة للهجرة في رواية، أو سنة عشرين في رواية أخرى٢.

وذكر أن الخليفة قال: "أيما حي من العرب كانوا في حي من العرب أسلموا معهم فهم معهم، إلا أن يعترضوا، فعليهم البينة، كالذي فعله مع "بجيلة" رهط جرير بن عبد الله بن جابر، وكانوا قد تفرقوا، واغتربوا بسبب حروب وقعت بينهم والتحقوا بقبائل أخرى. وروي أن عوف بن لؤي بن غالب ألحق نسبه بـ"غَطَفان"، والتحق نسب بنيه "بني مُرَّة" بغطفان، ويقال: إن الخليفة قال: لو كنت مستلحقًا حيًّا من العرب، لاستلحقت بني مرة؛ لما كنا نعرف فيهم من الشرف البين، مع ما كنا نعرف من موقع عوف بن لؤي بتلك البلاد. ثم قال لبعض أشرافهم: إن شئتم أن ترجعوا لنسبكم من


١ البلاذري، فتوح "٣/ ٥٤٩"، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة "٣/ ١١٣"، بلوغ الأرب "٣/ ١٩٠".
٢ الكامل، لابن الأثير "٢/ ٢١٢"، اليعقوبي "٢/ ١٣٠"، الطبري "٤/ ١٦٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>