للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قريش، فافعلوا. ولكنهم كرهوا أن يتركوا نسبهم في قومهم، ولهم فيهم من الشرف والفضل ما ليس لغيرهم"١.

وقد ضاعت أصول الجرائد التي دونت عليها الأنساب في ذلك الديوان، ولم يبقَ منها شيء. ويظهر أن أهل الأخبار لم ينقلوا صورها، وإنما أخذوا الأسس التي قام عليها التسجيل على نحو ما ذكرت، وبالجملة: فإن في إشارتهم إلى تلك الأسس والقواعد التي سار عليها الخليفة في اتخاذ القربى بالرسول والوضع القائم للقبائل، فائدة كبيرة لدراسة أسس تثبيت الأنساب عند العرب في صدر الإسلام.

ويذكر أن الذي قام بوضع مخطط الأنساب وبتسجيل القبائل والعشائر وفق الخطة التي أشرت إليها، هو "عقيل بن أبي طالب"، وهو من الثقات في معرفة الأنساب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وأن الذي أشار عليه بتدوين النسب في الدواوين هو "الوليد بن هشام بن المغيرة" لما رآه من عمل الروم في تسجيل العطاء في بلاد الشام٢.

ولم يقتصر التسجيل المذكور على تسجيل نسب القبائل وحدها، بل شمل ذلك نسب أهل القرى أيضًا، كنسب أهل مكة والمدينة والطائف وغيرها؛ وذلك لأن سكانها وإن كانوا من أصحاب المدر، وقد أقاموا واستقروا في بيوت ثابتة، إلا أنهم كانوا كالأعراب من حيث الانتساب إلى الآباء والأجداد. وقد رأينا أن عمر كان قد بدأ بقوم الرسول، وقومه حضر من أهل مكة، إلا أنهم كانوا لا يختلفون عن أهل الوبر في التعلق بالأنساب وفي حفظها؛ لأن حياتهم الاجتماعية وإن كانت في قرية، إلا أن غريزة المحافظة على النفس والدفاع عن الحقوق حملتهم مثل الأعراب على التمسك بالعصبية، بعصبية النسب؛ ليتمكنوا من المحافظة على الأمن والسلامة والمال، لعدم وجود حكومة قوية تقوم إذ ذاك بتأمين هذه الواجبات. ثم إن هذه الأماكن محاطة بالأعراب، وبين أهل مكة من كان شبه حضري، وبيئة مثل هذه لا بد لها من الاحتماء بعصبية النسب، وبالتزاوج مع الأعراب؛ لتكوين رابطة دموية، تؤدي إلى عصبية تضطر الطرفين إلى الدفاع عن مصالحهما المشتركة وتكوين كتلة واحدة تستجيب للنخوة ولنداء


١ شرح المفضليات "ص١٠١، ١١٦".
٢ البلاذري "٣/ ٥٤٩"، الطبري "٣/ ٢٠٠"، ابن أبي الحديد، شرح "٣/ ١١٣".

<<  <  ج: ص:  >  >>