للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ أهل الأنساب علمهم بالأنساب، ووضعوا كتبًا في نسب القبائل، أو في أنساب العرب، أو في أنساب جماعة منهم.

ولتسجيل "عمر" للأنساب شأن كبير بالنسبة إلى الباحثين في تطور النسب عند العرب؛ لأنه ثبت بذلك الأسس ووضع القواعد للنسابين في الإسلام وقلل من الاضطراب الذي كان يقع في النسب؛ بسبب الاختلاط، وعليه سار المسلمون في تقسيم العرب إلى أصلين. ولا بد أن يكون لهذا التقسيم أصل قديم, يرجع إلى ما قبل عمر, أقره الخليفة, وجعله أساسا له في التقسيم الذي بقي مرعيا متعارفا عليه بين النسابين إلى اليوم. ويمكن أن نقارن هذا العمل، أي تسجيل النسب وتثبيته في سجلات، بالعمل الذي قام به "عزرا" في تثبيت أنساب اليهود وتدوينها، وفي تدوين أنساب الغرباء، لتستقر بذلك الأنساب فسار من جاء بعده من النسابين في تعيين النسب على أساس ذلك التدوين١.

وفي القرآن الكريم آيات تشير إلى عناية القوم بأحسابهم وأنسابهم، ولكنه لم يتعرض لبيان وجهة نظرهم بالنسبة إليها، ولا يشعر في موضع ما منه بوجود تلك الفكرة التي ألح على وجودها أهل الأخبار، وهي انقسام العرب إلى ثلاث طبقات أو طبقتين، ووجود نسبين أو جملة أنساب للعرب، ولم يرد فيه اسم "عدنان" ولا "قحطان"، ولا أي من هذه الأشياء التي يتمسك بها أهل الرواية والأخبار، ويقصونها لنا على أنها من الحقائق الثابتة في أنساب العرب، وعلى أن العرب كانوا حقا من جدين هما: عدنان وقحطان.

بل كان ما ورد في القرآن يشعر أن العرب كانوا ينظرون إلى أنفسهم أنهم من جد أعلى واحد، هو: "إبراهيم", وأن "إبراهيم" أبو العرب: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ... } ٢, فلم يفرق بين عرب قحطانيين وعرب عدنانيين. ورُوي: أن الرسول قال: "كل العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم -عليه السلام-"٣.


١ Hastings, P. ٢٨٦
٢ سورة الحج، رقم ٢٢، الآية ٧٨.
٣ ابن سعد، الطبقات "جـ١، ق١، ص٢٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>