للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل حتى الشعر الجاهلي، لا نجد فيه إشارة واحدة تفيد اعتقاد الجاهليين بوجود أصلين أو ثلاثة أصول أو أكثر لهم. وكل ما ورد فيه هو فخر بقحطان وفخر بعدنان أو معد أو غير ذلك من الأسماء التي تعد من أسماء الأجداد التي ينتهي إليها "الشعب" أو "الجذم". وأما التفصيلات الأخرى والأسماء الواردة في كتب النسب أو الأخبار والتواريخ، فهي من روايات الإسلاميين. ثم إن من الشعر الجاهلي ما لا يصح أن يكون جاهليًّا، ومنه ما قيل قبيل الإسلام، ولا يصح كل الشعر الجاهلي أن يكون شاهدًا على آراء أهل الجاهلية البعيدين عن الإسلام.

كذلك لا نجد في شعر الجاهلية سلسلة نسب قحطان أو عدنان, ولا نجد في الأخبار ما يفيد وقوف أهل الجاهلية عليها. وهي سلسلة أخذت أسماؤها من التوراة، وبعضها أسماء محرفة موضوعة على شاكلة الأسماء التوراتية. أما في الحديث النبوي، فقد ورد أن الرسول انتسب إلى "أدد"، وهو والد "عدنان"، ثم قال: "كذب النسابون"١. وفي كل ذلك دلالة على أن أسماء آباء قحطان وعدنان، إنما دونت وتثبتت في الإسلام. أما قبل الإسلام، فلعل بعضهم وفي أيام الرسول، كان قد تلقن من اليهود نسب قحطان، وأن بعض اليهود لقن العرب نسبًا لعدنان، فلما لاكت الألسنة تلك الأنساب، وسمعها الرسول قال: "كذب النسابون".

أما أسماء أبناء قحطان وعدنان فما دون ذلك، فإنها أسماء عربية في الغالب، وينقطع منها أثر التوراة وأثر الأسماء التوراتية، مما يدل على أن النسابين العرب كانوا على علم وبصيرة بتلك الأسماء، وأنها كانت معروفة عندهم. وهي أسماء لا ترد في التوراة ولا خير لها عند أهل الكتاب.

وقد ذهب "دوزي" إلى وجود فروق أساسية بين القحطانيين والعدنانيين، حتى ذهب إلى وجود اختلاف بين نفسية كل جماعة من الجماعتين٢. وأنا لا أريد أن أنكر عليه وجود العداء الذي كان قد استحكم بين القبائل التي تنتسب إلى معد أو إلى قحطان، ولا أريد أن أنكر عليه تهجم شعراء اليمن على قبائل معد،


١ نسب عدنان "ص١".
٢ dozy, gesch. D. mauren in spanien, bd. I, s. ٧٣, goldziher, muh. Stud
Bd. I, s. ٨٩, nallino, reccolte, vol. ٣, p. ٧٣

<<  <  ج: ص:  >  >>