مراحل تكبير التاج وتطويله بجعله يتألف من جملة طبقات. كما عثر على تيجان جعلت جملة طبقات, طبقة مصقولة ملساء, وطبقة منحوتة ومزخرفة زخرفة هندسية أو بأشكال أخرى حسب ذوق المهندس المعمار الذي وضع تصميم المكان.
عثر على نماذج أخرى عديدة من التيجان, تفنن في نحتها وفي تكوينها المعمار. وتمثل بعض منها شخصية ذلك المعمار تمام التمثيل. فهي مستقلة تمثل طابع العمارة العربية الجنوبية. ولكننا نجد بعض التيجان وكأنها تقليد ومحاكاة لتيجان أجنبية. فبينها تيجان تشبه تيجان أعمدة بعض معابد مصر التي تعود إلى ما قبل الميلاد, ونجد بعضًا وكأنه محاكاة لتيجان يونانية أو رومانية أو فارسية أو حبشية. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن عددًا من تيجان الأعمدة الموجودة اليوم في بعض دور الحكومة بصنعاء, أو في المساجد أو في بعض البيوت هي من أيام الاحتلال الحبشي أو الساساني لليمن. ولا يستبعد أن يكون من بينها تيجان وأعمدة أخذت من كنيسة "القليس"١.
ولما كانت العربية الجنوبية على اتصال بالعالم الخارجي, منذ عصور ما قبل الميلاد, وقد شهدت فتوحًا أجنبية, كما كانت لها صلات تجارية مع الروم والإفريقيين والهنود والفرس, فلا يستبعد استخدام العرب الجنوبيين للأعاجم في أعمال البناء, وتأثرهم بالأساليب المعمارية الأجنبية, ولا سيما في أثناء الفتح الحبشي لليمن, فقد ذكر أهل الأخبار أن الحبش استعانوا بفعلة من الروم في بناء "القليس", كما أن الروم كانوا قد شيدوا كنائس في عدن وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب, وقد بنيت هذه الكنائس وفقًا لأسلوب الفن البيزنطي النصراني ولا شك. وقد كان بين الفرس من يحسن البناء ويتقنه, كما كان لأهل العربية الجنوبية اتصال بالفرس قبل هذا الفتح, وكانت فيها جاليات منهم ولا سيما في الأقسام الجنوبية الشرقية, فأثروا بذلك في طراز البناء.
وما قلته من تفنن المعمار العربي الجنوبي في تنويع الأعمدة وتيجانها ينطبق أيضًا على القواعد التي أقيمت الأعمدة عليها. فبعد أن كانت قاعدة العمود أو الأسطوانة بسيطة, لا تمتاز عن العمود بأي شيء, بل كانت قطعة واحدة منه, ليست لها عن بقية الأقسام أية ميزة, رأى المعمار تمييزها عن بقية الأقسام, فجعلها أوسع
١ "A. Grohmann, S. ١١٩, Sabaeica, I, ١١٩.ff.".