للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها في العربية الجنوبية نقوش حيوانات وأشجار وصور بشر حفرت على الأحجار أو المعادن أو الأخشاب, وعلى ألواح من الجبس, استعملت في أغراض مختلفة للزينة. ومنها أحجار منقوشة, نقشت عليها عناقيد عنب وأغصان وأوراق, وما شاكل ذلك. وجد علماء الآثار أن بعضًا منها يعود عهده إلى القرون الأولى من الميلاد١.

وإذا كانت المعابد شاهدًا على الفن وعلى التفكير الديني لقوم من الأقوام, فإن المقابر هي شاهد كذلك على وجهة نظر القوم إلى العالم الآخر, عالم ما بعد الحياة. فما في القبر من أدوات وأشربة وطعام وآنية, أو من بساطة وسذاجة, تشير إلى تفكير القوم في شكل الحياة الآخرة وفي كيفيتها وفي درجة تعلقهم وتمسكهم بالآلهة وبالدين.

وخير مثال على ذلك, أهرامُ مصر وآثارها, فإنها آثار قبورية, تمثل مبلغ تغلغل الدين في نفوس الحاكمين وفي الشعب, ووجهة نظرهم إلى عالم ما بعد الحياة. لقد أنفق الحاكمون على قبورهم أكثر مما أنفقوه على قصورهم في الدنيا. إن بهم –بعد الموت– حاجة إلى كل ما يحتاج إليه الإنسان في الحياة. ولهذا ادخروه في هذه المقابر, ليستفيد منها الميت بعد انتقاله إلى العالم الآخر ورجوع الحياة إليه. أما العربي, فلم يهتم بقبره اهتمام المصري به, فلم يترك "المكربون" ولا الملوك ولا الأمراء ما تركه الفراعنة والكهان والأمراء في قبورهم, لا كله ولا بعضه. إنه لم يكن يحفل بالحياة الآخرة احتفال أهل مصر بها, لذلك نجد قبره ساذجًا, ثم هو لم يدخل فيه طعامًا ولا شرابًا ولا أثاثًا, ولم يدخل فيه كذلك خدمًا وحشمًا من بقايا الحاشية المسكينة التي أدخلت إلى القبر قسرًا لتخدم سيدها في العالم الآخر, كما خدمته في العالم الأول.

وقد يقال: إن لفقر بلاد العرب دخلًا في ذلك, ولكن ما بال أهل اليمن, وقد كانوا في سعة وخير, لا يفعلون في قبورهم بعض ما فعله أهل مصر. وما بال قبور ملوكهم ساذجة, لا تحتوي ذهبًا ولا حجارة كريمة ولا تصاوير وتماثيل وتوابيت وجثثًا للضحايا التي تدفن مع الميت؟ إن ذلك, إن دلّ على شيء, فإنما يدل على اختلاف في وجهة نظر القوم عن وجهة نظر المصريين مثلًا


١ "Beitr?ge, S. ١٨.".

<<  <  ج: ص:  >  >>